1 - الاتجاه الظاهري: وهو الذي يقتصر على ما صرحت به ظواهر النصوص دون أن يُعطي كبير اهتمام لعلل الأحكام.
2 - الاتجاه الباطني: وهو الذي يسعى إلى التخلص من ظواهر النصوص بحجة أنها ليست مقصودة لذاتها، ويعتمد في اكتشاف مقاصد الشارع وتقدير المصالح على تقديره هو.
3 - الاتجاه المتوسط: وهو اعتبار ظواهر النصوص ومعانيها في مسلك توافقي لا يسمح بإهدار أحد الجانبين على حساب الآخر ولا بطغيان أحدهما على الآخر.
وحديثنا سيكون عن الاتجاه الثاني، وهم المبالغين في إطراء المصلحة وتقديمها على النص، وهذا ما لا يُسلّم لأصحاب هذا الاتجاه، وذلك أن الشارع الحكيم جاء بمصالح العباد، وجعل النصوص محققة للمصالح ابتداء؛ لأنها رحمة للعالمين، ولو لم تكن نصوص الوحيين الشريفين محققة للمصالح والحكمة فكيف تكون رحمة وهدى للعالمين؟
ومعلوم ما قرره الفقهاء قديماً وحديثاً من أن الحكم يدور مع علته لا مع حكمته، وذلك لظهور العلّة في الوقت الذي قد لا تتضح فيه الحكمة ظاهراً، فالعلة وصف منضبط، في حين أن الحكمة أمر راجع إلى تقدير الناس، والناس يختلفون في تقدير المصالح.
واستدل العديد من دعاة التيسير على منهجهم هذا، بأمور منها:
1 - اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام المجاعة في وقف تنفيذ حد السرقة، فقد نظر إلى المقصد من الحد ولم يطبّق النص القرآني عملا بتغيّر الظروف التي أحاطت بالسرقة. وللرد على هذا القول نقول أنه من الواضح أن عمر رضي الله عنه إنما درأ الحد بالشبهة، وانتفاء الشبهة من شروط قطع يد السارق، وأخذ السارق ما يحتاج إليه لسد رمقه من أعظم الشُبه وأقواها.
2 - أن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان وأنه لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات والظروف والأحوال المختلفة المتباينة إلا بتأسيس معقولية الأحكام الشرعية حتى تصبح الشريعة مسايرة للتطور وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، واحتجوا بما ثبت من تغير فقه الشافعي رحمه الله القديم حين كان بالعراق إلى فقهه الجديد حين انتقل إلى مصر. وللرد على هذا نقول أن تعليل تغير فقه الشافعي بتغير الظروف فيه نظر، فالسبب لم يكن لتغير ظروف مصر عن ظروف العراق، ولكن لأن الشافعي رحمه الله اكتشف أخطاء في اجتهاده القديم، وإعادته النظر في آرائه القديمة وتغيّر اجتهاده فيها أمر عادي بسبب زيادة علمه لا بسبب تغير الظروف، يقول الإمام أحمد عن ذلك: (عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها ثم رجع إلى فصر فأحكم تلك).
وخلاصة القول أن قاعدة تغير الفتاوى تختلف عن مصطلح تغير الأحكام، فإن الأحكام الأساسية والقواعد الكلية هي أحكام وقواعد خالدة وثابتة، و تغيرها نسخ، والنسخ قد انقطع بانقطاع الوحي، أما الفتاوى وتغيرها فهو انتقال المجتهد من حكم إلى حكم آخر لتغيّر صورة المسألة، فهو تبدل يستند إلى تبدل العوائد والأعراف، وليس نسخاً للحكم أو اختلافاً في أصل الخطاب.
ثانياً / التوسّع في فهم خاصية اليسر في الإسلام:
إن شريعة الإسلام بُنيت على اليسر ورفع الحرج، فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، إلا أن هذا اليسر هو يسر في حدود وضوابط، والقاعدة الأصولية المعروفة (المشقة تجلب التيسير) إنما هي في حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية، فليس لمشقة مخالفة الهوى مكان في يسر الإسلام، لذا فالشارع لا يقابل تلك المشقة باليسر والتسامح، بل يعد إتباع الهوى خطأً في السلوك وضلالاً عن سبيل الله، قال تعالى: ? وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ?.
وقد عمد أصحاب هذا المنهج في تفعيل هذا الأصل إلى أمور، منها:
1 - تغليب روح التيسير، وإهمال جانب الترهيب والعزائم الثابتة في الشريعة. وهذا خطأ؛ لأن الشريعة الإسلامية وسط في كل أمورها، فلا يجوز بحال الغلو والإفراط أو التوسع والتفريط في جانب على حساب آخر، فكما أن الإسلام دين يسر وسماحة وترغيب، فهو كذلك دين عزيمة وقوة وترهيب.
¥