إن شريعة الإسلام بُنيت على اليسر ورفع الحرج، فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، إلا أن هذا اليسر هو يسر في حدود وضوابط، والقاعدة الأصولية المعروفة (المشقة تجلب التيسير) إنما هي في حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية، فليس لمشقة مخالفة الهوى مكان في يسر الإسلام، لذا فالشارع لا يقابل تلك المشقة باليسر والتسامح، بل يعد إتباع الهوى خطأً في السلوك وضلالاً عن سبيل الله، قال تعالى: ? وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ?.
وقد عمد أصحاب هذا المنهج في تفعيل هذا الأصل إلى أمور، منها:
1 - تغليب روح التيسير، وإهمال جانب الترهيب والعزائم الثابتة في الشريعة. وهذا خطأ؛ لأن الشريعة الإسلامية وسط في كل أمورها، فلا يجوز بحال الغلو والإفراط أو التوسع والتفريط في جانب على حساب آخر، فكما أن الإسلام دين يسر وسماحة وترغيب، فهو كذلك دين عزيمة وقوة وترهيب.
2 - الدعوة إلى التدرج في تطبيق أحكام الإسلام وشريعته في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، ودعاة المرحلية والتدرج كثيرون، ومنهم فهمي هويدي الذي يقول: (ولست أدعو إلى أن نختار بين أن نأخذ الإسلام كله أو نتركه كله. فقط أنبّه إلى أن سعينا لا بد أن يتدرج، مبتدئا بالأهم فالمهم حتى يبلغ الغاية بثقة واطمئنان). وهذه شبهة باطلة أثيرت للحيلولة دون تطبيق الشريعة تطبيقاً كاملاً في المجتمع الإسلامي المعاصر، وإلا فإن عهد التدرج في أخذ المسلمين بأحكام التشريع قد انتهى بتكامل الإسلام وبنزول قوله تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا?.
ثالثاً/ تتبع الرخص:
شرع الله تعالى من الأحكام الأصلية والرخص ما يتناسب مع أحوال المكلفين، والمشقة التي تستوجب الرخص ليست هي المشقة المعتادة المألوفة، وإنما هي المشقة غير المعتادة التي تشوش على النفوس في تصرفها. واليسر في الإسلام ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة واقعة في طريق الامتثال لأوامر الله، تعين على تحقيق الغاية. أما الذي يتلمس التخفيفات ويتتبع الرخص ويبحث عن مواطنها بعيدا عن الغاية الحقيقية من تمام العبودية وخالص الخضوع والطاعة لله وحده، ويتهاون بمسائل الحلال والحرام في المطاعم والمشارب والمعاملات، مدعيا أنه لا حرج في الدين، فقد أخطأ وضلّ السبيل.
والمقصود بتتبع الرخص هنا: تتبع رخص المذاهب الفقهية، وذلك بأن يتتبع المقلد لمذهب ما ما يكون أيسر له وأخف عليه في مذهب إمام آخر غير إمامه فيقلّده، ولا يكون مدار اختياره قوة الدلائل أو النوع أو الاحتياط، بل يكون مدار اختياره التخفيف واليسر والسهولة.
وللعلماء في مسألة تتبع الرخص آراء ثلاثة، فمنهم المتشدد المانع، ومنهم المخفّف المجيز، ومنهم المتوسط القائل بالتفصيل، ولكنهم جميعا مجمعون على المنع إذا كان الدافع هوى النفس أو الهروب من أداء الواجب أو التلاعب بالأحكام والتحايل عليها.
وأصحاب منهج التيسير المعاصر يرون أن من أصولهم للأخذ بالتيسير: تتبع الرخص، يقول أحدهم: (ما العيب في أن يأخذ الناس بالأيسر في كل مذهب فقهي؟!). وهذا أصل خطير ومنهج خاطئ لقضية التيسير، وقد اعترض بعض مناصري منهج التيسير المعاصر على منع تتبع الرخص بأنه لم يأت في الكتاب أو السنة أو في عمل المسلمين دليل يفيد المنع، وهذا الاعتراض فيه نظر؛ لأن العمل بسد الذرائع واقع، وإتباع التشهّي وهوى النفس من المحظورات التي قام عليها أكثر من دليل.
رابعاً / ترك المحكم وإتباع المتشابه:
فالمتشابه الواقع في النصوص على ضربين: أولهما: حقيقي، وهو الذي ليس للناس سبيل إلى فهم معناه حتى أهل العلم، ككيفيات صفات الله عز وجل، وثانيهما: إضافي، وهو ما صار متشابها بالنسبة إلى الناظر في النص، وإلا فالنص نفسه غير متشابه في حقيقة الأمر، وهذا هو المقصود هنا.
¥