وقد قال أحمد في رواية الفضل بن زياد الإيذان في حق غير ذي الطفيتين وهو الذي بظهره خط أسود , والأبتر وهو الغليظ الذنب كأنه قد قطع ذنبه فإنهما يقتلان من غير إيذان. وإن كان غير ذلك مثل هذا الدقيق الذنب فهو حيات البيوت يؤذنه ثلاثا يقول: لا تؤذونا اذهب بسلام. وهذا هو الذي في الرعاية.
وقال الميموني سئل أبو عبد الله عن قتل دواب البيوت قال لا يقتل منهن إلا ذو الطفيتين , والأبتر وذو الطفيتين خطين في ظهره , ثم ذكر حديث أبي لبابة قيل: لأبي عبد الله فما تقتل من الحيات قال {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل دواب البيوت إلا ذي الطفيتين , والأبتر فقلنا له إنه ربما كان في البيوت منهن شيء الهائل منهن غلظا وطولا حتى يفزعن فقال إذا كان هذا فأرجو أن لا يكون في قتله أي حرج} قال فكان الأمر عنده فيه سهولة إذا كن يخفن.
وقال المروذي سئل أبو عبد الله عن الحية تظهر قال تؤذن ثلاثة قلت ثلاثة أيام , أو ثلاث مرار قال ثلاث مرارا إلا أن يكون ذو الطفيتين وهي التي عليها خطان , والأبتر هو الذي كان مقطوع الذنب يقتل ولا يؤذن.
قال المروذي وكنت أحفر بئرا بين يدي أبي عبد الله فخرجت حية حمراء [ص: 352] فقلت يا أبا عبد الله أقتلها؟ فنظر إليها فقال لي لا تعرض لها دعها. وجواب أحمد رحمه الله بالنهي يدل على أنه يحرم عنده القتل قبل الإيذان لأنه ظاهر النهي عنده , وعند المالكية حيات مدينة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتل إلا بعد الإنذار للأخبار ويستحب قتل حيات غيرها , وعند الحنفية ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان وقال الطحاوي لا بأس بقتل الكل , والأولى هو الإنذار.
وفي الصحيحين عن أبي لبابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم {ينهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتتبعان ما في بطون النساء.}
الطفيتان بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء الخطان الأبيضان على ظهر الحية , وأصل الطفية خوصة المقل وجمعها طفى. شبه الخطين على ظهرها بخوصتي المقل , والمعنى يخطفان البصر ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصة جعلها الله في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان.
وقيل: يقصدان البصر باللسع , والنهش , وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته.
وعن أبي سعيد مرفوعا {إن لبيوتكم عمارا فحرجوا عليهن ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك شيء فاقتلوه} رواه أحمد , والترمذي ومسلم , وفي لفظ ثلاثة أيام , وفي لفظ له " فاقتلوه فإنه كافر " في لفظ له " فإنه شيطان " ولأبي داود " ثلاثة أيام أيضا " وروى هو وغيره بإسنادين جيدين " ثلاث مرات " من حديث أبي سعيد. وروي أيضا من رواية ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم فقولوا أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح , أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان ألا تؤذوننا , فإن عدن فاقتلوهن}. ابن أبي ليلى مختلف فيه ورواه النسائي في اليوم والليلة , والترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه من حديث ثابت إلا من حديث ابن أبي ليلى.
والعمار الحيات التي تكون في البيوت وكذا العوامر جمع عامر وعامرة قيل: سميت بذلك لطول أعمارها والتي في الصحراء يجوز قتلها بدون إنذارها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من [ص: 353] قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا} رواه أحمد ولأبي داود وغيره المعنى الآخر من حديثه. ومن حديث أبي هريرة وابن عباس , روي حديث ابن عباس عن عثمان عن ابن نمير عن موسى بن سالم سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره , كلهم ثقات ورواه أحمد ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لا أعلمه إلا رفع الحديث قال {كان يأمرنا بقتل الحيات ويقول: من تركهن خشية , أو مخافة ثائر فليس منا}. قال وقال ابن عباس إن الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل ورواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق وفي رواية رفع الحديث {أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال من تركهن خشية , أو مخافة ثائر} " وباقيه مثله ".
وروى الطبراني ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي ثنا عبد العزيز بن المختار عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة , والخنازير من بني إسرائيل} ورواه ابن حبان من حديث عبد العزيز بن المختار ورواه في المختارة من طريق أحمد والطبراني.