وأخرج ابن ماجه وغيره والحديث حسن لغيره عن عوف بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار)). قيل: يا رسول الله مَنْ هم؟ قال: ((الجماعة)).
وفي الصحيحين من حديث حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية، وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم، وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك. قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك.
2. عقيدة السلف.
ومعنى السلف في اللغة: الماضون أو المتقدمون، ويراد به في اصطلاح العقيدة: القوم الذين سلفوا ممن هم على هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم أخص بالقرون المفضلة الذين جاء ذكرهم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن بعدكم قوماً يخونون، ولا يؤتمنون، ويشهدون، ولا يستشهدون، وينذرون، ولا يفون، ويظهر فيهم السمن)).
وقد سموا بالسلف لأنهم سَبَقُوا مَنْ خَلَفَهُمْ علي الهدي الصحيح.
وقد ورد ذِكْرُ كلمة السلف محمودةً في كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله كما في الصحيحين لابنته فاطمة عليها السلام: ((اتقي الله، واصبري، فإني نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ)).
3. العقيدة السلفية.
وهي نسبة لمعتقد سلف هذه الأمة، وهم أهل القرون المفضلة يقال: سلفية نسبة لما يعتقدونه من المسائل العقدية التي اعتقدها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
وقد جاء ذكر العقيدة السلفية على لسان ابن تيمية في مجموع الفتاوى وعامة كتبه ولم أجد من سبقه إلى هذه التسمية.
4. عقيدة أهل الأثر
نسبة إلى المتمسكين بالآثار السلفية الواردة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم.
وقد جاء ذكر أصحاب الأثار وهم أهل القرون المفضلة على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن من حديث أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: أنا ومن معي. قال: فقيل له ثم مَنْ يا رسول الله؟ قال: الذي على الأثر. قيل له ثم من يا رسول الله؟ قال: فرفضهم.
ولقد أحسن عبده بن زياد الأصبهاني – رحمه الله – حين قال كما في شرف أصحاب الحديث –للخطيب البغدادي ص141:
دينُ النبيِّ محمدٍ أخبارُ ... نِعْمَ المطيِّةُ للفتى الآثارُ
لا تُخْدَعَنَّ عن الحديثِ وأهلهِ ... فالرأي ليلٌ والحديثُ نهارُ
ولربما غَلِطَ الفتى سُبَلَ الهدى ... والشمسُ بازعةٌ لها أنوارُ
قال أبو محمد الرازي كما في اعتقاد أهل السنة 1/ 179: سمعت أبي يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشهبة، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة، ونقصانية، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء أ. هـ
وقصد الأسماء التي سماهم بها أهل الزيغ والضلال.
5. عقيدة الطائفة المنصورة
والطائفة بمعنى الجماعة من الخلق، والمنصورة بمعنى أنها ظاهرة على أعداء السنن إلى قيام الساعة، لا تخذل لأن الله نصيرها.
وفي الصحيحين عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال من أمتي، أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)).
6. عقيدة الفرقة الناجية
بمعنى ناجية من النار بخلاف غيرها من الفرق الهالكة، والنجاة مأخوذة من الحديث السابق وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار)).
قيل: يا رسول الله من هم؟
قال: الجماعة.
وهذه التسميات مختلفة الألفاظ، متفقة المعاني، إذ كلها تعني التمسك بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام على فهم سلف هذه الأمة رضي الله عنهم علماً وعقيدة ومنهجاً وشريعةً وسلوكاً سواء كان قولاً، أو عملاً.
وليحمد الله كل مسلم انتسب إلى هذا الهدي المبارك بأي اسم من هذه المسميات الصحيحة لكونه انتسب إلى هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهدي صحابته الكرام رضي الله عنهم انتساباً صحيحاً، على الوجه المطلوب شرعاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة كما في مجموع الفتاوى 4/ 149: لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب أليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً.أ. هـ
- تمت الحلقة الرابعة ويليها الحلقة الخامسة بمشيئة الله -
¥