الأول: أنَّ المساجدَ دورٌ يُعبد فيها الله عز وجل وحده، أما الكنائس فهي معابدُ كفرية، يُكفر فيها بالله عز وجل ويعبد معه غيره –المسيح وأمه-، فهل يستويان؟! {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]
الثاني: أن دعوى منحهم المسلمين الحرية في ممارسة تعاليمهم الدينية عارية عن الصحة، فهاهم يمنعون المسلمين من أقل حقوقهم الشخصية: كتعدد الزوجات، ولبس الحجاب، وإنشاء بنوك إسلامية، وتطبيق أحكام الإسلام عليهم، وغير ذلك، بحجة أنَّ أنظمة البلد العلمانية تحظر ذلك، أفلا يحق للمسلمين أن يمنعوهم من بناء الكنائس لأن تعاليم دينهم الإسلامي تمنع ذلك؟!
الثالث: أن مواطني الدول الغربية قد اعتنق كثيرٌ منهم الإسلام، فالمساجد تعتبر عندهم من حقوق المواطنة وليس للوافدين من المسلمين، أما دول الجزيرة العربية فالأصل أنهم كلهم مسلمون ومن تنصَّرَ منهم فهو مرتَّدٌ عن دين الله وحكمه في الشرع معروف، فلمن تبنى الكنائس؟ أللعمالة الوافدة غير المستقرة؟! مالكم كيف تحكمون؟!
الرابع: أنَّ الإذنَ لهم ببناء كنائس في ديار الإسلام بحجة سماحهم للمسلمين ببناء المساجد في بلادهم يقودنا إلى قضية أخرى وهي الإذن لهم بالدعوة للنصرانية بين المسلمين بحجة أنهم يسمحون للمسلمين بأن يدعوا إلى الإسلام في بلادهم، فهل يقول بذلك مسلم؟! (بل من يجوِّز ذلك بحجة ما يسمى بحرية الاعتقاد فهو كافر مرتد وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).
كما أنه يقودنا إلى قضية ثالثة: وهي الإذن لأصحاب الديانات الأخرى كالبوذية والهندوسية وغيرها ببناء معابد لهم، بل قد يكون أتباع هذه الملل في بعض دول الخليج -من العمالة الوافدة- أكثر من النصارى، فتصبح الجزيرة العربية مسرحاً لديانات الكفر والشرك، وهي التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يكون فيها دينان!
الخامس: أنه لو ترتَّب على منعِ بناء الكنائس في بلاد المسلمين منعُ بناء المساجد في بلاد الكفار، فإنَّ درء مفسدة تلويث بلاد المسلمين وجزيرة العرب –خاصة- بدين النصارى المنسوخ، أولى من المحافظة على مصلحة مكاسب بعض المسلمين في بلاد الكفر، وعلى المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا، وعلى العاجزين أن يُصَلُّوا في بيوتهم، كما أفتى بذلك الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله.
السادس: أنَّ مما يدل على اعتبار الخصوصية ومراعاتها وأنها قاعدة معتمدة عند العقلاء من كل ملة، أنَّ دولة الفاتيكان تمنع من بناء معابد غير الكنيسة فيه، وذلك لما يرونه من كون الفاتيكان معقلاً للنصرانية وملاذاً لأهلها، فالجزيرة العربية وفيها البلد الحرام والكعبة المشرفة أولى بذلك، كيف لا؟! وهي ملاذ المسلمين، ومنتهى مقاصدهم، وعلى هذا الأصل الذي يقِرُّ به عقلاءُ كل ملة، جاءتِ النصوصُ النبوية في بيان كون هذه الجزيرة جزيرة الإسلام لا يجتمع فيها دينان، ولكن لو سمح الفاتيكان ببناء المساجد فيه، هل يكون هذا مسوِّغاً لنا في الإذن ببناء الكنائس في جزيرة العرب؟ الجواب: لا، فلسنا تبعاً للفاتيكان، إنْ مَنَعَ مَنَعْنَا وإن بنى بنينا!، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وقد تقدَّم أنَّ التسوية بين دور التوحيد ومعابد الكفر، سفهٌ وضلال نعيذ منه كل مسلم.
السابع: أن حرمة بناء الكنائس في بلاد المسلمين مما انعقد عليها الإجماع، نقل ذلك كثير من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وتقي الدين السبكي والشيخ ابن باز وغيرهم كثير، فلا وجه لما ذكره بعض المعاصرين عن تجويز الإمام أبي حنيفة ذلك مع أن القاضي تقي الدين السبكي قد أوضح المراد بكلام أبي حنيفة فقال: (ولعل أبا حنيفة إنما قال بإحداثها في القرى التي يتفردون بالسكنى فيها على عادتهم في ذلك المكان، وغيره من العلماء بمنعها لأنها في بلاد المسلمين وقبضتهم وإن انفردوا فيها فهم تحت يدهم فلا يُمكنون من إحداث الكنائس لأنها دار الإسلام ولا يريد أبو حنيفة أنَّ قريةً فيها مسلمون فيمكن أهل الذمة من بناء كنيسة فيها. فإن هذه في معنى الأمصار فتكون محل إجماع)
الثامن: أن المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في جلسته المنعقدة بالقاهرة في 10/ 10/2000م أصدر بياناً قال فيه (التأكيد الحاسم بأن الجزيرة العربية وقلبها المملكة العربية السعودية هي الحصانة الجغرافية لعقيدة الإسلام، لا يجوز شرعاً أن يقوم فيها دينان، ولا يجوز بحال أن يشهر على أرضها غير دين الإسلام، كما تستنكر هيئة رئاسة المجلس العودة إلى المطالبة ببناء كنائس على أرض السعودية بعد أن حُسِمَ هذا الأمر سابقاً في حوار مطوَّلٍ مع الفاتيكان عبر اللجنة الإسلامية العالمية للحوار، واتفق على إغلاق هذا الملف وعدم إثارته ثانياً).
وأخيراً، و (بناءً على جميع ما تقدم فإنه ليس لكافر إحداث كنيسة في [جزيرة العرب]، ولا بيعة، ولا صومعة، ولا بيت نار، ولا نَصْبِ صنمٍ؛ تطهيرا لها عن الدين الباطل، ولعموم الأحاديث، وعليه؛ فليس للإمام الإذن بشيء منها، ولا الإبقاء عليه؛ محدثاً كان أو قديماً)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
¥