تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يا أهل الحديث! أحيوا هذه السنّة!

ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[13 - 07 - 08, 09:18 ص]ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد، فقد استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها، بحيث يندر أن يخفى على أحد من طلاّب العلم فضلاً عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على الكثير من الإخوة والأخوات أن من إقامة الصف تسويته بالأقدام وليس فقط بالمناكب، فلبيان السنّة، ها هي الأحاديث الواردة:

1 - عن أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: أُقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بوجهه فقال:"أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من وراء ظهري".

قال أنس: وكان أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. (رواه البخاري 725، وبوّب له: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصلاة).

وفي رواية أخرى في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 351) بإسنادٍ صحيح عن أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: "فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، فلو ذهبت تفعل هذا اليوم؛ لنفر أحدكم كأنه بغل شموس".

فظهر أن إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصفوف سنّة، قد عمل بها الصحابة خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهو المراد بإقامة الصف وتسويته على ما قاله الحافظ ابن حجر في تعليقه على زيادة أنس في الحديث: (وأفاد هذا التصحيح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وبهذا يتم الاحتجاج على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته). اهـ من فتح الباري (2/ 211).

وقول أنس: (ولو ذهبت تفعل هذا اليوم؛ لنفر أحدكم كأنه بغل شموس) هو حال كثير من الناس في هذا الزمان والله المستعان، لو فُعِل بهم ذلك، لنفروا كأنهم حُمر وحش! وصارت هذه السنة عندهم كأنها بدعة!! فنسأل الله أن يهديهم إلى اتباع سنّة خير الأنام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ يقول: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء".

2 - عن النعمان بن بشير 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الناس بوجهه، فقال: "أقيموا صفوفكم (ثلاثاً)، والله لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم". قال النعمان:فرأيت الرجل يلصِق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه. (رواه أبو داود 622 بإسنادٍ صحيح، وعلّق البخاري مقولة النعمان في صحيحه مجزوماً بها).

3 - عن جابر بن سمرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربِّها؟ " فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربّها؟ قال: "يتمّون الصفوف، الأول فالأول، ويتراصّون في الصفوف ". (رواه مسلم 430).

ويتراصّون من (الرص)، يُقال: رصّ البناء يرصّه رصًّا إذا ألصقت بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص}، ومعناه تضاموا وتلاصقوا حتى يتّصل ما بينكم ولا ينقطع، وذلك - كما في حديث أنس والنعمان - بلصق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم.

وفي هذه الأحاديث فوائد مهمة:

الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراصّ فيها، لأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك، والأصل فيه الوجوب؛ إلاّ لقرينة، كما هو مقرّر في الأصول، والقرينة هنا تؤكِّد الوجوب، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم"؛ فإن مثل هذا التهديد لا يُقال فيما ليس بواجب؛ كما لا يخفى.

الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بإلصاق المنكب بالمنكب، وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أُمِروا بإقامة الصفوف، والتراص فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير