ويقول:- إذن عبارات؛ الله عالم، الله قادر، الله حي، الله سميع، الله بصير، الله متكلم، الله مريد، إنما تعكس مجتمعا جاهلاً عاجزاً ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، مسلوب الإرادة، وبالتالي يكشف الفكر الديني الذي يجعل الله موضوعا في قضايا من هذا النوع عن الظروف الإجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الذي تطلق في أمثال هذه القضايا، فالله كموضوع في قضية خير مشجب لأماني البشر، وأصقل مرآة تعكس أحلامهم وأحباطاتهم (من العقيدة إلى الثورة).
قلت: وهو نص يعادل قولهم:- الدين أفيون الشعوب.
وهو في هدمه للعقيدة وانتصاره للأمة (كما يزعم) ينطلق في هذا كله من التراث ومن داخله لا بعيدا عنه (كذلك يزعم) مع رفضه أن يسمى هذا التراث دينا بل يعتبره نتاجا عقليا صرفا. ومن أمثلة هذا الاختيار من داخل التراث إليك هذا المثال:-
يقول تحت عنوان: إعادة الاختيار بين البدائل ...
قضية (التراث والتجديد) هي أيضا قضية إعادة كل الاحتمالات في المسائل المطروحة، وإعادة الاختيار طبقا لحاجات العصر، فلم يعد الدفاع عن التوحيد بالطريقة القديمة مفيدا ولا مطلوبا، فكلنا موحدون منزهون، ولكن الدفاع عن التوحيد يأتي عن طريق ربطه بالأرض وهي أزمتنا المعاصرة. فالتجسيم (أي أن القول أن الله تعالى جسم سبحانه وتعالى) وهو الاختيار القديم المرفوض، قد يثير الأذهان حالياً في الربط بين الله وسيناء، بين التوحيد وفلسطين، فالفصل القديم بين الخالق والمخلوق كان دفاعا عن الخالق ضد ثقافات المخلوق القديمة، ولكن الحال قد تغير الآن، وأصبحت مأساتنا هي مكاسبنا القديمة، الفصل بين الخالق والمخلوق، ومطالبنا هو ما هاجمناه قديما، الربط بين الله والعالم، لقد ساد الاختيار الأشعري أكثر من عشرة قرون، وقد تكون هذه السيادة إحدى معوقات العصر لأنها تعطي الأولوية لله في الفعل وفي العلم وفي الحكم وفي التقييم، في حين أن وجداننا المعاصر يعاني من ضياع أخذ زمام المبادرة منه باسم الله مرة، وباسم السلطان مرة أخرى، ومن ثم فالاختيار البديل، الاختيار الاعتزالي .. هذا الاختيار قد يكون أكثر تعبيرا عن حاجات العصر، وأكثر تلبية لمطالبه، ما رفضناه قديما قد نقبله حديثا، وما قبلناه قديما قد نقبله حديثا، فكل الاحتمالات أمامنا متساوية. (التراث والتجديد).
وهو لا يعد هذا تراثا اسلاميا ولكنه يعده تراثا إنسانيا، فبالتالي نحن لسنا مسلمين، ولكننا إنسان كوني، يقول:- لذلك يكون من السخف البحث عن هوية فرعونية أو قبطية أو عربية أو إسلامية. (المرجع السابق).
هذا هو عماد مشروع حسن حنفي، وهو يعده يسارياً لأنه ينطلق من منطلق الرافض لسلطان السماء وسلطان الأرض، فهو رجل ثائر وكذلك اليسار معارض ثائر.
ومما يلاحظ أن قيام الثورة الإيرانية الشيعية قدم دعما عقديا للفكر اليساري/ الديني، وكذلك عمق كثير من المفكرين القادمين من الماركسية إلى الإسلام!! تنظيرات اليسار الديني من أمثال عادل حسين المصري/ حليف الإخوان المسلمين هذه الأيام في حزب العمل، ومنير شفيق الفلسطيني في الكثير من طروحاته وأفكاره التي بدت لأول وهلة سلفية الاتجاه، وسنرى فيما يأتي تأثر الثوريين في داخل صفوف الحركات الجهاديه بهذه الطروحات في خطابتهم.
وللذكر فإن حنفي لم يبدأ أفكاره بهذا الطرح إنما بدأها على قاعدة (أن نقد التراث الديني هو الشرط الضروري لنقد المجتمع وإن نقد الدين هو المقدمة الضرورية لتحريك الواقع وثورته).
هذا هو حسن حنفي خاليا من كل الحواشي التي ملأ بها كتبه، وتبجح فيها بكثرة معرفته بأسماء الكتب وأسماء المؤلفين ونقل الصفحات الكاملة منها، وادعائه معرفة الفرق والذاهب وأقوالهم في الربوبية والنبوة والشريعة، وهي معرفة وإن عدها صعالكة المثقفين وغمار الكتاب شيئا عجيبا أدت بهم إلى الإنبهار والدهشة لكنها في الحقيقة ليست من ذلك في شىء فصغار طلبة المدارس الدينية في آخر دولة بني عثمان يعرفون أكثر منها، ويحفظون أضعافها.
ولكن هل يعتبر حسن حنفي النص الديني (القرآن الكريم) إلهياً؟ وهل يعتبر النموذج النبوي صورة واقعية لهذا النص؟
¥