في الحقيقة ليس هناك خوف كبير من هؤلاء على مجتمعاتنا وشعوبنا لأسباب متعددة أهمها أنهم أبعد ما يكونون عن فطرة شعوبنا المسلمة، ولذلك فخطابهم في داخل المجتمعات المسلمة خطاب مرفوض مستنكر، وهم يزمزمون بكلماتهم هذه في كتب يتداولها الخاصة وطلبة الجامعات، وفي أنديتهم، وأفكارهم هذه هي عمل متأخر لما يقوم به حكام بلادنا، إذ أن حقيقة أفكارهم اسباغ لما تقوم به الدولة من تشريعات ومناهج ونظم، وما تعانيه الأمة من التطبيقات العملية لهذه الأفكار أشد وأعظم من هذه الأفكار، وما دور حنفي وأمثاله إلا دور السحرة مع فرعون، حيث يزينون له أفعاله، ويجابهون الخصوم بسيف القلم، كما تجابه السلطه هؤلاء الخصوم بسوط الأمن والمخابرات، وبقيد السجون والمعتقالات، ولذلك ادعاء حسن حنفي أنه مع الإنسان ضد الله كذب وزور، بل هو في الحقيقة مع السلطة ضد الرب جل في علاه أولا وضد الأمة المسلمة ثانيا.
ولكن يكمن خطرهم الأكبر في تلقي قادة العمل الإسلامي لمبادىء هذه الطروحات الكافرة أو دعوتهم إلى الأخذ بالأصول النظرية لهذه الزندقة.
إن أول مبدأ يرتكز عليه هؤلاء الزنادقة هو تعدد الحق ونسبيته، فعندهم كل مجتهد مصيب، وهذا المبدأ يؤمن به الكثير من المعممين وأصحاب الكلمة في داخل الجماعات الإسلامية، فهم يعتبرون أن كل قول قاله أحد في تاريخنا الإسلامي هو فقه وقول اسلامي، سواء كان هذا القول في مسائل التصور والتصديق أم في مسائل الفقه والعمل، فالمعتزلة والخوارج والمشبهة والشيعة بكل أقسامهم هم نتاج اسلامي صحيح لأصل واحد تعددت فروعه على شكل متفق الأصول ولا اختلاف فيه، هذا في مسائل التصور، أما الإختلافات الفقهية فإن كل قول قاله عالم هو قول صحيح واسلامي ويجوز للمسلم أن يتعبد به، وهذا الإعتقاد عند هؤلاء القادة أفرز هذه الفتاوى الغريبة والمتضاربة وجعل هؤلاء الزنادقة يرتكزون عليه في بنائهم لهذه المقولات.
فعندما يسأل شيخ ما عن حكم الربا في ديار الكفر فيفتي بجوازه، وعندما يسأل عن الغناء فيفتي بجوازه، وعندما يفتي يجواز مشاركة الكفار في أعيادهم وبجواز دخول البرلمانات في دول الكفر بحجة أن هذه الأقوال قال بها بعض العلماء وهي فقه إسلامي، وحيث قالها بعض العلماء فيجوز لنا أن نأخذها ونتخير بينها، ولا نجد في ذلك حرجا، حين ترى تعرف حينئذ مرتكزات حسن حنفي في نظرية الإختيار بين البدائل، ولذلك إن ما وصل إليه حنفي مرتكز على هذا الأصل وهذا الإنحراف.
ولكن لنعلم أن هذه إحدى ركائز الزندقة التي حذر منها علماؤنا حين قالوا: من أخذ بزلة كل عالم تجمع فيه الشر كله، وكقولهم: من تتبع الرخص فقد تزندق. وهي ركائز حسن حنفي في تسمية ما يقوم به من زندقة أنها بناء من داخل التراث.
ثم هذا الإقرار لهذه الطوائف بأنهم أصحاب الإسلام الصحيح الذي نسمعه من هؤلاء المعممين والمفكرين من قادة الجماعات الإسلامية كالشييعة والخوارج والصوفية وأخيرا النصيريين، ماذا سيكون الفرق النظري بينهم وبين ما يقوله حسن حنفي من اعتبار تبني أي قول لهؤلاء لا يهدم التراث بل يختار منه؟!!
إنها في الحقيقة نفس المشكاة من الوجهة النظرية. . هذه واحدة ..
أما الثانية: فهو التعامل مع الأغيار من أجل المصلحة الدنيوية دون النظر الأخروي والرضا الإلهي. وبعبارة أوضح: الإسلام النافع لا الإسلام الصحيح.
حسن حنفي ومن لف لفه يريد أن يستخدم الموروث من أجل إصلاح الواقع والنهضة به كما يزعم، وهو يعتبر أن هذا الموروث هو الأصلح لهذه الإنطلاقة. وعلى ضوء هذا فهو لا يمنع من مشاركة الآخرين في تحقيق هذا المقصد. يقول: إن الذي يريد أن يحرر فلسطين باسم الله فليتفضل، والذي يريد أن يحرر فلسطين باسم الليبرالية أو الحرية أو باسم البروليتاريا العالمية أو باسم القومية العربية فليتفضل، أما أنا فيهمني تحرير فلسطين ولا أدخل في الأطر النظرية (ندوة مواقف).
هذا الذي يقوله حسن حنفي هو عين ممارسة الكثير من الحركات الإسلامية على مستوى التطبيق العملي حينا وعلى مستوى الخطاب حينا آخر.
فما هذه التحالفات بين الحركات الإسلامية وبين ما يسمى بالوطنيين (وهوأكبر وأعظم ما وقعت فيه الحركات الإسلامية من موبقات وجرائم وللاسف قلما خلت من حركة إسلامية أو رمز إسلامي) إلا تطبيقا عملياً لما ينظر له حنفي وأمثاله.
¥