قال ابن كثير – رحمه الله -: " أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عَدْلا خياراً، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا.
(وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، كَمَا قَالَ: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/ 29 " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6/ 123، 124).
ب. وأما الاستعمال الباطل لجملة " الإسلام دين الوسطية " فهو ما يدعو إليه بعض الكتاب والدعاة من الوقوف في الوسط بين كل متناقضين، وعدم اتخاذ الموقف الشرعي الذي يوجبه عليه دينه، فهو يقف – مثلاً – بين السنَّة والبدعة، فلا يرفض البدعة بإطلاق، ولا يقبل السنَّة بإطلاق!، وفي حكم الردة يحاول التوسط! فلا يقبل الاستتابة والقتل فيها، ولا يسمح بها بإطلاق!، وهو لا يرفض التصوف بإطلاق، بل يوهم نفسه بأنه من أهل العدل حين لا يحكم عليها بأنها من فرق الضلال والهلاك، وقل مثل هذا في الفرق الضالة، بل تعدى ذلك إلى الكفر والإسلام!، ولهذا تجد هؤلاء هم عمدة الحوارات التي تعقد للتقريب بين التوحيد والشرك – كما هو الحال في التقريب بين السنة والشيعة -، والإسلام والكفر – كما هو الحال في التقريب بين الإسلام والنصرانية واليهودية -، فلا الإسلام والسنَّة نصروا، ولا البدعة والكفر كسروا، وعاشوا على تمييع دينهم، والتنازل عن ثوابته، من أجل أن تلمَّع صورتهم في الإعلام أنهم من " دعاة الوسطية " فيحصلوا مكاسب دنيوية، لا تنفعهم عند ربهم، بل تضرهم، وقد خذل الله بعض رموزهم، فمنع من دخول بعض دول الكفر، مع أنه من أبرز من أطلق عليهم " إخوة "! بل ووصف نصارى بلده بأنهم " شهداء "! ولطالما ميَّع دينه بفتاوى يزعم أنها " تيسيرية " و " وسطية "، فما نفعه هذا في دنياه؛ وصدق الله العظيم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) البقرة/ من الآية 120.
وينبغي أن يعلم هؤلاء وغيرهم: أن الوسط، والتوسط ليس هو أن يقف المسلم وسط الطريق بين كل متناقضين، بل هو أن يلتزم شرع الله تعالى في موقفه، وأن يحكم على الشيء بما يستحقه مما جاء في الكتاب والسنَّة، والوسطية هي التوسط بين أمرين كلاهما خطأ وضلال في الأصل، وأما من يستعملها على غير وجهها فهو يقف في وسط الطريق مطلقاً، ولو كان أحد الجانبين فيه التوحيد، والسنَّة؛ فهذا باطل.
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " والقول بين القولين إنما يُسْتحب اختياره، وسلوك طريق بين الغالي والمقصر، إنما يكون أولى إذا أمكن تمشيته؛ فأما إذا لم يمكن تمشيته، فلا " انتهى.
"قواطع الأدلة في أصول الفقه" (5/ 256).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ما المراد بالتوسط في الدين، أو الوسطية؟.
فأجاب: " التوسط في الدين، أو الوسطية: أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية.
فمثلاً: في الأمور العقدية، انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان، ووسط، طرفٌ غلا في التنزيه، فنفى عن الله ما سمَّى ووصف به نفسه، وقسمٌ غلا في الإثبات، فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، لكن بدون اعتقاد المماثلة، بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيء من مخلوقاته ... .
هذا في العقيدة، كذلك أيضاً في الأعمال البدنية: مِن الناس مَن يغلو، فيزيد، ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون، ويفرط، فيضيع شيئاً كثيراً، وخير الأمور الوسط.
والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة، فهو وسط، وما خالف الشريعة: فليس بوسط، بل هو مائل، إما للإفراط، وإما إلى التفريط.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في " العقيدة الواسطية " خمسة أصول، بيَّن فيها رحمه الله أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها؛ لما فيها من الفائدة " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 226، وجه ب).
ويمكن مراجعة رسالة الوسطية، لفضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر، حفظه الله.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/117725
ـ[محمد أبو عُمر]ــــــــ[23 - 07 - 08, 09:35 م]ـ
هي كلمة حق أراد بها الخبثاء باطلا
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[24 - 07 - 08, 08:53 م]ـ
بارك الله فيك وجزآك خيرا
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[24 - 07 - 08, 10:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وقد أعجبني ضابط يذكره بعض الفضلاء خلاصته أن الوسطية منها محمود ومذموم:
1) فأما التوسط المحمود فهو التوسط بين باطلين: باطل تطرف عن الحق في جانب الإفراط، وباطل تطرف عن الحق في جانب التفريط، والحق يعرف أولاً بأدلته من الكتاب والسنة ثم تنظر ثانيا إلى مواقف الناس منه فتجد المفرِط والمفرِّط.
2) وأما التوسط المذموم فهو التوسط بين الحق والباطل، كحال المنافقين مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.