تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتتضح هذه الحقيقة من جميع مواقف العتاب بين الأتباع والمتبوعين من الكافرين في يوم القيامة وفي النار ـ عياذا بالله ـ، ففي هذه المواقف يتكلم الأتباع عن مكرٍ مكره الملأ عليهم .. عن كيد كادوهم به، والكلام على حقيقته لا نعلم له صارف. في سورة الصافات ـ مثلا ـ وفي سياق عتاب (العامة) للملأ يقول الله تعالى على لسان (العامِّة) {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ.} [الصافات:28] أي (من جهة النصح .. مجيء من إذا حلف لنا صدقناه) كما يقول القرطبي رحمه الله. ومثله قول الله تعالى على لسان (المستضعفين) وهم يجادلون (المستكبرين) يوم القيامة {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} [سبأ: من الآية 33].

ومكر أعداء الأنبياء وأتباعهم بعضهم ببعض هو المتبادر للذهن من قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، وهو ما تكلم به المفسرون، يقول الطبري معلقاً على الآية الكريمة: (وأما قوله: {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} فإنه يعني: أنه يلقي الملقي منهم القول الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه , ليغتر به من سمعه فيضل عن سبيل الله.)

هذا هو حال الملأ في صدهم عن سبيل الله حين يتكلمون إلى متبوعيهم .. يمكرون بهم.

ومكرهم يطالنا بل يتوجه إلينا في الأساس، يستهدف شلمنا، ويستهدف جهدنا، بالتشويش والتشويه.

والحال هكذا أسأل: أين الخداع وأين المكر؟ أين الجدال وأين القتالفي أرض الواقع؟

حين اتصلت عامة الناس هنا بعامة الناس هناك (في أوروبا وأخواتها) عن طريق البعثات العلمية والتجارة في القرن التاسع عشر، نهض (الملأ) وقاموا بدراسة الإسلام، وأعادوا قراءته من جديد، عن طريق ما يسمى بالمستشرقين، وعن طريق نشر كتابات بعض الحاقدين من النصارى وخاصة نصارى الشام مثل لويس شيخو (صاحب كتاب شعراء النصرانية)، وخرجوا بقراءة جديدة للشريعة الإسلامية نشرت في عدة أبحاث أهمها (دائرة المعارف الإسلامية) ثم في خطوة تالية سربوا هذه المفاهيم للشاذين فكرياً ممن ينتمون لهذه الأمة فخرجت أفكار الكافرين في كتبٍ تحمل أسماء مسلمين، مثل (أبكار السقاف) و (على عبد الرازق) و (طه حسين)، و (خليل عبد الكريم) و (سيد القمني) و (عباس العقاد) في بعض ما كتب، ومن وَرِمَ أنفه حمية له فليراجع كتاب (الله جل جلاله). ثم دعموا هذه الأسماء عن طريق نفوذهم في البلاد الإسلامية، وخاطبوا قومهم بهذه الأبحاث التي كتبتها يد المستشرقين أو التي كتبتها يد (المسلمين) الموافقين لهم، وبهذا عرضوا الإسلام مشوهاً على قومهم، وأخرجوا إسلاماً مشوهاً لقومنا، فشغلونا بأنفسنا وصدونا عن قومهم، ولك أن تنظر إلى ما كتب وما قيل .. ما أنفق من وقت وجهد ومال في التصدي لأبناء المستشرقين الذين نبتوا في أرضنا يتكلمون بلساننا، ويعرضون الدين على الناس أو ينازعون من يعرض الدين على الناس.

وهذا هو السبب الحقيقي الذي بسببه لم نستطع عرض الإسلام على عامة الناس في الغرب، أولئك الذين لا يحملون ذات الأحقاد التي يحملها الملأ الذين استكبروا، أولئك الذين لو سمعوا لاستجابوا، هذا مع أننا نتكلم ويصل صوتنا في كل مكان. كله بسبب التشويش الذي أحدثه الملأ من خلال قراءات المستشرقين وقراءات تلاميذ المستشرقين من (المسلمين).

ويتم مصادرة الفرص بهؤلاء أيضاً، فمثلا حين ثارت أبقار الدينمارك وتطاولت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بادر هؤلاء بنشر كتب المستشرقين (المعتدلين) ممن كتبوا عن شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من منظور آخر غير منظور النبوة. وبهذا طوقونا وصدونا.

واستخدموا ذات الآلية (المعتدلين) عندهم و (المعتدلين) عندنا، فأسكتوا من هنا أو كتموا صوتهم، وأسكتوا من هناك أو أعطوهم ما لا يصل بهم إلى الصراط المستقيم!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير