تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[العصر:2].

وقد كان الأجدر بهذا الإنسان وقد أكرمه الله ونعّمه أن يكون عابدًا لا غافلاً، طائعًا لا عاصيًا، مقبلاً إلى ربه لا مدبرًا، شكورًا لا كفورًا، محسنا لا ظالمًا.

إن المتأمِّل في كثير من المخلوقات في هذا العالم المشهود ليرى أنها لم تُعطَ من العناية والرعاية والعمارة والاستخلاف كما أُعطي الإنسان، ولا كُلِّفت كتكليف ابن آدم، بل جعلها الله خادمة مسخرةً له، هُوَ ?لَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ?لأرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، بل حتى الملائكة سخرها الله لابن آدم، فجعل منهم الكتبةَ عليهم والدافعين عنهم من معقّبات من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله، ومنهم المسخَّرين لإرسال الريح والمطر، كما جعل الله من أكبر وظائفهم الاستغفار لبني آدم، وَ?لْمَلَـ?ئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ?لأَرْضِ [الشورى:5].

ومع ذلك ـ عباد الله ـ فإن هذه المخلوقات عدا ابن آدم قد كمُلت في عبوديتها لله جل شأنه، وخضوعها له، وذلِّها لقهره وربوبيته وألوهيته، إلا بعض المخلوقات العاصية كالشياطين وعصاة الجن وبعض الدواب كالوزغ والذي قال عنه النبي: ((اقتلوا الوزغ، فإنه كان ينفخ النار على أبينا إبراهيم)) رواه أحمد [1].

غير أن أولئك مع عصيانهم إلا أنهم لا يبلغون مبلغَ عصيان بعض بني آدم، وما ذاك إلا لأنه قد وُجد في بني آدم من يقول: أنا ربكم الأعلى، ووُجد فيهم من يقول: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، ووُجد فيهم من يقول: أنا أحيي وأميت، ووُجد من يقول: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، ووُجد فيهم من يقول عن القرآن: إنْ هذا إلا قول البشر، ومن يقول: إنْ هذا إلا أساطير الأولين، ناهيكم ـ عباد الله ـ عمن يقول: يد الله مغلولة، ومن يجعل الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، فكيف إذًا بمن يقول: إن الله فقير ونحن أغنياء.

وهكذا ـ عباد الله ـ تمتدّ حبال الطغيان والجبروت في بني الإنسان إلى أن يخرج من يقول: إن الشريعة الإسلامية غيرُ صالحة لكل زمان ومكان، أو من يقول بفصل الدين عن الدولة، فلا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، أو من يقول: الدين لله والوطن للجميع، أو من يقول: دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، أو من يصف الدين بالرجعية، والحدود والتعزيرات بالهمجية والغلظة، أو أن يصفه بالمقيِّد للمرأة والظالم لها والمحجِّر على هويَّتها، أو من يرى حريتَها وفكاكها من أسرها إنما يتمثَّل في خروجها من حدود ربها، وإعلان عصيانها لشريعة خالقها ومولاها، وجعلِها نهبًا لكل سارق وإناءً لكل والغ ولقيطًا لكل لاقط، جسدًا للإغراء والمتاجرة، وحُبَّ شيوع الفاحشة في الذين آمنوا.

هذه هي بعض مقولات بني الإنسان، فهل من التِفاتةٍ ناضجةٍ إلى مواقف إبليس اللعين في كتاب ربنا لتروا: هل تجدونه قال شيئًا من ذلك غير أنه وعد بالغواية؟! بل إن غاية أمره أنه فضّل جنسه على جنس آدم، فاستكبر عن السجود لمن خُلق طينًا، بل إنه قد قال لبعض البشر: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب.

فلله ما أعظمَ عصيان بني آدم، وما أشد استكبارَه ومكره السيئ، وَلاَ يَحِيقُ ?لْمَكْرُ ?لسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ?للَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ?للَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43].

ويؤكد الباري جل شأنه حقيقةَ عصيان بعض بني آدم من بين سائر المخلوقات واستنكافَهم أن يكونوا عبيدا لله الذي خلقهم وفطرهم فقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ ?للَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ?لسَّمَـ?و?تِ وَمَن فِى ?لأرْضِ وَ?لشَّمْسُ وَ?لْقَمَرُ وَ?لنُّجُومُ وَ?لْجِبَالُ وَ?لشَّجَرُ وَ?لدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مّنَ ?لنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ?لْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ?للَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ?للَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء [الحج:18]، فدل على أن أكثر بني آدم عصاةٌ مستكبرون ضالون، وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ?لأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ?للَّهِ [الأنعام:116]، وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ?لشَّكُورُ [سبأ:13]، وَمَا أَكْثَرُ ?لنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير