تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدا ذئبٌ على شاة فأخذها، فطلب الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي؟! فقال: يا عجبي، ذئبٌ مقعٍ على ذنبه يكلمني كلامَ الناس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجبَ من ذلك؟! محمدٌ بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق ... الحديث [1]. وفي رواية للبخاري: فقال الناس: سبحان الله، ذئب يتكلم! فقال: ((فإني أؤمن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)) [2].

فاتقوا الله أيها المسلمون، واقدروه حقَّ قدره، واستشعروا أثرَ عبودية الجماد والنبات والحيوان، وكمالها لله تعالى، وهي أقل منكم فضلاً وتكريمًا.

واعلموا أنكم مقصِّرون مهما بلغتم، وظالمون لأنفسكم مهما ادعيتم القصدَ أو الكمال، فإن بُعد البشر عن المعرفة الحقيقية، وضعفَ يقينهم بالآمر الناهي، وغلبةَ شهواتهم مع الغفلة، تلك كلها تحتاج إلى جهاد أعظمَ من جهاد غيرهم من المخلوقات الطائعة المسبِّحة لله تعالى.

يصبح أحدنا وخطابُ الشرع يقول له: استقم في عبادتك، واحذر من معصيتك، وتنبَّه في كسبك، وقد قيل قبلُ للخليل عليه السلام: اذبح ولدك بيدك، واقطع ثمرةَ فؤادك بكفِّك، ثم قم إلى المنجنيق لتُرمى في النار، ويقال للغضبان: اكظم، وللبصير: اغضض، ولذي القول: اصمت، ولمستلِذِّ النوم: تهجّد، ولمن مات حبيبه: اصبر، وللواقف في الجهاد بين الغمرات: لا يحلُّ لك أن تفرّ، وإذا وقع بك مرض فلا تشْكُ لغير الله.

فاعرفوا ـ أيها المسلمون ـ شرفَ أقدار بني آدم بهذا الاستخلاف، وصُونوا هذا الجوهر بالعبودية الحقة عن تدنيسها بشؤم الذنوب ولؤم التفريط في الطاعة، واحذروا أن تحطَّكم الذنوب إلى حضيض أوهد، فتخطفكم الطير أو تهوي بكم الريح في مكان سحيق. ذ?لِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـ?ئِرَ ?للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ?لْقُلُوبِ [الحج:32].

والعجب ـ يا عباد الله ـ ليس من مخلوقاتٍ ذُلِّل لها الطريق فلا تعرف إلا الله، ولا من الماء إذا جرى، أو من منحدِر يُسرع، ولكن العجب من متصاعِد يشقُّ الطريق شقا، ويغالب العقبات معالجة، ويتكفّأ الريح إقبالاً، ولا عجب فيمن هلك: كيف هلك؟ ولكن العجب فيمن نجا: كيف نجا؟ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ?لَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ [فصلت:35].

والعبد كلما ذل لله وعظم افتقارًا إليه وخضوعًا له كان أقربَ له، وأعزَّ وأعظم لقدره، فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله، يقول النبي: ((قال الله سبحانه وتعالى: يا ابن آدم، تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسُدَّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسدَّ فقرك)) رواه ابن ماجه [3].

هذا، وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيّه بكم أيها المؤمنون، فقال عز من قائل عليم: ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ...


[1] أخرجه أحمد (3/ 83)، وهو أيضا عند عبد بن حميد (877)، قال الهيثمي في المجمع (8/ 291): "رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح". وانظر: السلسلة الصحيحة (122).

[2] أخرجها البخاري في المزارعة (2324)، ومسلم في فضائل الصحابة (2388) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه ابن ماجه في الزهد (4107) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أيضا عند أحمد (2/ 358)، والترمذي (2466) وقال: "حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (393)، والحاكم (3657)، وهو في صحيح ابن ماجه (3315).

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[01 - 08 - 08, 06:51 م]ـ
اللهم اغفر ذنبنا

بارك الله فيك استاذي الكريم

ـ[ابن محمد علي]ــــــــ[01 - 08 - 08, 08:40 م]ـ
. .
شكر الله لك. .
. .
هل يمكن أن تتحفنا بها مسموعة. .
. .

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير