كثيرٌ من المستشرقين أمضَوا أعمارَهم، وصرفوا أوقاتَهم في دراسة علوم المسلمين، وأخرجوا كثيرًا من تراثهم المخطوط، وكثيرٌ منهم لم يؤمنوا مع علمهم بالحق نعوذ بالله تعالى من الخذلان.
وقليل منهم قادهم ما عرفوا من الحق إلى الإسلام، فكان دخولهم ميدانَ الاستشراق، وتخصصهم في علوم المسلمين، واستخراج تراثهم سببَ هدايتِهم {وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
وقد أتحفني أخي الفاضل، البحاثة الموسوعي، والمثقف الواعي الشيخ: عبد الله بن عبد العزيز الهدلق -حفظه الله تعالى وزاده علمًا وتوفيقًا- بجملة من أخبار المستشرقين والباحثين التقطها من قراءاته المتنوعة.
ومحبةً مني لكم أبث هذه الأخبار إليكم؛ لعلها تبعث الهمم، وتحفز إلى العمل؛ فإننا يجب أن نستحيي من الله تعالى، ومن أمتنا؛ أن نتقاعس عن خدمتها، ونحن نعلم أننا على الحق، ويُفني كفارٌ مستشرقون أعمارَهم في خدمة تراثنا وقراءته ودراسته واستخراجه والطعن فيه حَسَبَ مشربِ كل واحد منهم، وهدفه من دخول ميدان الاستشراق.
وأنبه على أن في علماء المسلمين من كانت لهم هممٌ عالية تضاهي هممَ المستشرقين، قد أفنوا أعمارهم في العلم والتعليم والتصنيف، وأنفقوا ساعات أيامهم ولياليهم في تحصيل العلوم وبذلها، وهم محتسبون لله تعالى في ذلك يخدمون دينه؛ رجاء ثوابه وخوفًا من عقابه، فحفظ الله تعالى بهم دينه، ووقى الأمة من الجهل والانحراف على أيديهم.
ولكنني حين أذكرُ هذه النماذج من المستشرقين أعجَبُ من أنه لا حسبة لهم فيما أفنوا فيه أعمارهم، ومع ذلك جدّوا واجتهدوا، فنفع الله تعالى بجهدهم وعلومهم، والله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. على أن كثيرًا منهم حاقدون قذفوا بشبهٍ عظيمة للطعن في الكتاب والسنة والفقه والسيرة وتاريخ المسلمين، تأثر بها المنحرفون من أبناء الأمة، وصاروا يرددونها كالببغاوات، مدعين أنهم متحررون من ربقة التراث، وأنهم باحثون محايدون، وما هم إلا تلامذة أبرار للمستشرقين، عاقون لأمتهم، معرضون عن دينهم. والله المستعان، وعليه التكلان.
1 - ذكر أنستاس الكرملي أن المستشرق الفرنسي المعروف لويس ماسينيون كان في سنة 1920م قد أتم -لكي يؤلف كتابه عن الحلاج- مراجعةَ ألف وسبعمائة وستة وثلاثين مصنفًا في أكثر من ثماني لغات يجيدُها تتصل كلها بالحلاج وسيرته وآرائه.
2 - نشر المستشرق الألماني فرديناند فستنفلد (ت1899م) طبقات الحفاظ، ووفيات الأعيان، وتهذيب الأسماء واللغات، ومعجم البلدان، ومعجم ما استعجم، واشتقاق ابن دريد، وسيرة ابن هشام، في مائتي مصنف، فمات عن ثلاث وتسعين سنة بعد أن كُفَّ بصره في آخرها؛ لأنه اشتغل أربع عشرة ساعة في اليوم والليلة لأزيد من ستين سنة في تاريخ بلاد العرب وجغرافيتها وآدابها وعلومها.
3 - أمضى البحاثة الأمريكي ديورانت ستين سنة في تأليف كتابه: قصة الحضارة؛ بدأ عام 1915م بالتحضير لكتابه مدة عشر سنوات، كان يزور خلالها المناطق الحضارية التي سيتناولها في أجزاء كتابه، فزار اليونان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر والشام .. وبلادًا كثيرة سواها .. وصدر الجزء الأول منه عام 1925م وصدر الجزء الأخير عام 1975م. توفي عن قريب من مائة سنة بعد إنهاء كتابه بسنوات قلائل، قضاها في تأليف عدة كتب غير هذا الكتاب.
4 - أنفق إميل لودفيج في تأليف كتابه المذهل (النيل) عشرَ سنوات، وهذا الكتاب يعد من مفاخر التراث الإنساني .. ترجم فيه لودفيج للنيل كما يترجم للعظماء من البشر، زار مساقطه، وتتبع مجاريه، وذكر الحضارات التي حيت بحياته، في سياق مُعجِب آسِر، يأسى له من يقرأ اليوم تحذير أهل الاختصاص من مغبة تلوث النيل بالجهل.
5 - حصل المستشرق الألماني كارل بروكلمان على الدكتوراه عام 1890م وهو في الثانية والعشرين من عمره برسالته عن علاقة كتاب الكامل لابن الأثير بتاريخ الطبري، وظل بعدها يعمل أكثر من ست وستين سنة في شتى مجالات التراث الإنساني.
وكان يجيد أزيد من عشر لغات!!
عرفه العرب بكتابه (تاريخ الأدب العربي)، وعرفه دارسو السامية بمعجمه السرياني الذي أذهلهم، وهو معروف عند الأتراك بدراساته في النحو التركي، وعند اليهود بدراسته عن الأصوات في اللغة العبرية، وعند كثير من أصحاب الثقافات المختلفة بالفهرس الذي أعده عن المخطوطات العربية والفارسية والقبطية والتركية والسريانية والحبشية المحفوظة في هامبورغ.
وقد كان الطلبة المهتمون بالتراث في مصر يذهبون آنذاك إلى الأب جورج شحاته قنواتي في دير الآباء الكرمليين لدراسة كتاب بروكلمان تاريخ الأدب العربي، وكيفية الاستفادة منه، وذلك قبل أن يترجم إلى العربية.
http://www.alukah.net/articles/1/2959.aspx?highlight=%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%8a %d9%84&soption=0
ـ[إبراهيم محجب]ــــــــ[21 - 08 - 08, 03:01 م]ـ
رحم الله ابن قيِّم عصرنا العلامة البحّاثة بكر بن عبد الله أبو زيد وأعلى الله درجته في المهديين.
¥