تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الموقف من الفتاوى الشاذة، من مفتيها، والآخذ بها]

ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[13 - 08 - 08, 03:41 م]ـ

[الموقف من الفتاوى الشاذة، من مفتيها، والآخذ بها]

السؤال: ما موقف عامة الناس من الفتاوى الشاذة التي كثرت مؤخراً، مثل من أفتى بفك السحر بالسحر وغيرها من الفتاوى؟ وهل ننكر على من عمل بهذه الفتاوى؟.

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

الواجب قبل الكلام عن المستفتي أن نبدأ بالمفتي نفسه، فنقول: يجب على كل مسلم أن يحفظ عليه لسانه في الكلام على شرع الله تعالى بما لا يعلم، وليعلم كل مسلم أن القول على الله تعالى بغير علم من كبائر الذنوب، بل قد قرنه الله تعالى بالشرك، فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.

قال ابن القيم رحمه الله:

"فرتَّب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشدُّ تحريماً منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريماً منهما، وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريماً من ذلك كله، وهو: القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وفي دينه، وشرعه" انتهى.

" إعلام الموقعين " (1/ 38).

وقد رأينا في زماننا هذا عجباً، رأينا السياسي يفتي، والممثل يفتي، والإعلامي يفتي، بل حتى الراقصة تفتي! وأصبحت الفتوى حقاً لكل من هبَّ ودبَّ، وصار أهل الباطل من أصحاب القنوات الفضائية، والصحف اليومية والأسبوعية يلمعون هؤلاء، ويقدمونهم للناس على أنهم أصحاب علم، وأهل هدى، وعلى مثل هذا بكى ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمه الله، ففي " إعلام الموقعين " لابن القيم (4/ 207، 208) قال: رأى رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: استُفتي مَن لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال: ولَبعضُ مَن يفتي ههنا أحق بالسجن من السرَّاق.

ثم قال ابن القيم:

"قال بعض العلماء: فكيف لو رأى ربيعة زماننا، وإقدام مَن لا علم عنده على الفتيا، وتوثبه عليها، ومد باع التكلف إليها، وتسلقه بالجهل والجرأة عليها، مع قلة الخبرة، وسوء السيرة، وشؤم السريرة، وهو من بين أهل العلم منكر، أو غريب فليس له في معرفة الكتاب والسنَّة، وآثار السلف، نصيب" انتهى.

وليعلم المفتي أنه يوقِّع عن ربه تعالى بما ينسبه للشرع من أحكام، وقد كان السلف الصالح يتدافعون الفتيا، وكلٌّ يحول السائل إلى غيره، حتى تعود للأول منهم، والجرأة والعجلة في الفتوى ليستا محمودتين من صاحبهما، بل الواجب التأني، والتمهل، قبل إصدار الفتوى.

قال أبو شهاب الحناط: سمعت أبا حصين – وهو عثمان بن عاصم – يقول: إن أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر: لجَمَع لها أهل بدر.

" سير أعلام النبلاء " (5/ 416).

وليكن قول " لا أدري " شعاراً له في حياته فيما لا يعرفه من أحكام الشرع، وهذه ملائكة الرحمن تقول ذلك فيما لا تدريه، قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة/31،32. وليتجنب الغرائب من الأقوال، والشذوذات من الفتوى، وليتجنب ما لا يحسن الناس فهمه، أو ما يسبب رقة دين، أو فحش سلوك، كما يفعله من يوزع الفتاوى في طول الأرض وعرضها بإباحة المعازف، والتمثيل للنساء والرجال، وغير ذلك، وكما فعله من نشر فتوى جواز فك السحر بسحر مثله؛ فإن هذا يعني جواز فتح مكاتب للسحرة! وإيقاف الإنكار عليهم واستتابتهم، ويعني التواصي بين الناس على أفضل ساحر! وأوثق ساحر! وأرخص ساحر!، ولذا لا يتصور صدور مثل تلك الفتاوى المفسدة لدين الناس وخلقهم من مفتٍ يعلم ما وصلت إليه أحوال الناس من البُعد عن الشرع.

ثانياً:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير