تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولن يصدقوا بشيء أعظم من الصبر، الصبر روح من الله - Y- يؤيد بها أولياءه، ولا يعطي الله الصبر إلا لمن يريد به خير الدنيا والآخرة.

بالصبر اتسع الضيق بإذن الله – Y- ، وبالصبر عادت الأحزان والأشجان أفراحا بإذن الله – Y- ، بالصبر قويت شكيمة المؤمن وقويت عزيمته؛ لأنه يعلم أن الله معه، وأن الله لن يخذله، ولذلك كان علي - t- يقول: ألا وإن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الروح من الجسد، ألا لا إيمان لمن لا صبر له، ألا لا إيمان لمن لا صبر له)) فيقول r : يسلي الصابرين بما لهم عند رب العالمين ((ومن يصبر يصبره الله)) وإذا بها ثلاثون يوما أو تسع وعشرون يعلم الإنسان هذه الخصلة الشريفة العزيزة المنيفة التي يصلب بها عوده أمام شدائد الدهر والنكبات والفجائع، يعلّم كيف يصبر حتى يخرج من رمضان فإذا رأى المكروب قال الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار.

يصوم العبد المؤمن لكي يعلّم الصبر، ولذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر، وكان جزاء رمضان عظيما؛ لأنه يقوم على الصبر، ففيه الصبر عن معصية الله، وفيه الصبر فلا يغتاب ولا يسخط ولا يجهل، وفيه الصبر على طاعة الله – Y- وهذا من أعلى المراتب وأحبها إلى الله – I- .

فرمضان مدرسة يعلّم الإنسان من خلالها كيف يصبر، وما صبر على شدائد الدنيا وفتنها ومحنها مثل المؤمنين، ولا ثبت أمام النكبات والملمات أهل دين أعظم من ثبات أهل الإسلام، ولا قويت شكيمة أمة أعظم من شكيمة أمة الإسلام، فليس هذا بضرب من الكلام الذي لا حقيقة له، فمن قرأ التاريخ أدرك أنها أمة صابرة، وأنها أمة معلمة من ربها لا تحتاج لأحد أن يعلمها، وأنها أمة زكت وزكاها مولاها حينما جعلها خير أمة أخرجت للناس، ولن تجد عبدا يبوأ في هذه الدنيا مبوأ صدق فترتفع مكانته وتعلو منزلته ويحبه ربه بشيء أعظم من الصبر، إنه الثمن الذي يدفعه الإنسان لكي ينال سلعة الله الغالية بفضله ورحمته سبحانه، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، دخلها الصابرون وارتفعت الدرجات فيها للصابرين، والملائكة يدخلون على أهل الجنة من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وقال الله عن أهل الصبر: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} فنسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يفرغ علينا صبرا، وأن يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الظالمين.

يعيش المسلمون أيام رمضان لكي يعلّم هذه الأخلاق الفاضلة، ويتربوا على هذه المعاني السامية، يعلم المسلم الصبر بملامح جميلة جليلة أجمل ما تجد وأكمل ما تجد تعليما حينما تنظر إلى شرائع الإسلام، ولا ينبؤك مثل خبير، والله سبحانه هو الذي يعلّم وهو الذي يهدي – I- ، فعلم آدم الأسماء وعلم داود وفهم سليمان، علم العلماء وعلم الأنبياء - I- ، هذا التعليم تجد في شرائع الإسلام الصبر في شريعة الصوم في مقامات جميلة، الصابر أحوج ما يحتاج إليه أن يستشعر حسن العاقبة، وأن بعد العسر اليسر، وأن بعد الشدة الرخاء، وأن بعد الضيق السعة، وأن لكل شيء قدرا، لا يستطيع أن يزيد على قدره، تأمل رحمك الله ساعات الصوم يبتدئ في أول اليوم من فجره وجعل الله ابتداء الفجر في ساعة الغالب فيها الجو على أحسن وأفضل ما يكون، ثم يشتد النهار حتى يبلغ الذروة، فإذا كانت أيام الصوم في شدة الصيف والحر والقر أصاب الإنسان من التعب والنصب والجهد ما لا يعلمه إلا الله – U- ، فمعناه أن كل كربة تأتيه فتشتد وتصل إلى أعلى درجة، وإلى الغاية التي جعلها الله بقدرته وعظمته لن تستطيع أن تجاوزها، فمهما كان عليك من ضيق ومن شدة ومن بلاء وكربة فلن يستطيع أن يجاوز أمرا حده الله - Y- ، فيصل الإنسان إلى أقصى النهار فيشتد ظمؤه ويشتد نصبه فتأتي الرحمة من الله فتنكسر وهيج الشمس وتنكسر شدة النهار ثم بعد ذلك لا يصل قبل المغرب إلا وقد بلغت الروح ما بلغت، خاصة إذا كان صاحب عمل وخاصة إذا كان سحوره قليلا وخاصة في أيام الشدة والضعف فلا يصل إلى آخر النهار إلا وقد ضاقت عليه نفسه ضيقا طبيعيا جبليا بشريا، لكنها ما تضيق مع الإيمان، فهو ثلاثون يوم أو تسع وعشرون يوم كل يوم يصل إلى شدة ثم إذا به قد غابت عليه شمسه وأصاب فطوره، فذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير