تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثلاثون يوم أو تسعة وعشرين يوم بعض الخبراء في النفوس وطبائع النفوس أن الإنسان إذا أمضى لو عشرين يوم على حالة يتعلم منها، فما بالك إذا مر عليه شهر كامل تصبح النفس على يقين أنه إذا اشتد الكرب فبعده الفرج، وأنه إذا ضاقت الأمور فإن الله يوسّعه، فإن الله – Y- سيأتي بالفرج من عنده.

ثم تأمل رحمك الله تلك المدرسة الجميلة الجليلة في عبادة الصوم من تراحم المسلمين وتوادّهم وتعاطفهم، تأمل رحمك الله عبادة الصوم من بدايتها إلى نهايتها، فأنت تنتقل إلى من مَعْلم إلى مَعْلم، ومن مشهد إلى مشهد، ومن مدرسة إلى مدرسة تزيد في إيمانك وتثبتك في جنانك وتدلك على عظمة هذا الرب – I- .

الله أكبر إذا وقف الناس عند غروب الشمس فدنت الشمس من الغروب، وحانت ساعة الإفطار، تلك الساعة التي يربح فيها المتاجرون الصادقون المؤمنون، ويخيب عندها المفطرون المضيعون المحرومون -والعياذ بالله-.

يقف الناس في آخر النهار عند دنو الشمس لمغيبها وإذا بالإنسان جميع ما مر عليه من التعب والنصب كأنه لا يشعر به، وهذه سمة وعلامة في طاعة الله كلها، فلن تتعب في طاعة ولن تنصب في طاعة إلا وقفت في آخرها محمود العاقبة، والعاقبة للمتقين، والعاقبة للتقوى، شهد الله أنه ما من عبد يطيعه إلا جعل الله له العاقبة الحميدة، ولذلك المرد الجميل والمخرج الجميل والمآل الجليل لا يكون إلا بفضل الله ثم بالطاعة، ومن هنا أطبق الحكماء والعقلاء على أنه ليست العبرة بالبدايات وإنها العبرة بالنهايات، ولذلك جعل الله الحكمة في النظر إلى آخر الشيء {أفلا يتدبرون القرآن} التدبر ما هو؟ دبر الشيء آخره فجعل الله الحكمة في النظر للعواقب، ومن هنا تجد سمة عجيبة أن الإنسان لا ينظر إلى البداية، ولا ينظر إلى الحالة الذي هو فيه، ولكن يسأل نفسه إلى أي شيء ينتهي، وإلى أي شيء ينقضي.

وكأن شيئا لم يكن إذا انقضى وما مر مما مضى فقد مضى

فإذا كنت بهذه النفس تستشعر دائما في أي طاعة أنك ستؤول إلى رحمة الله وإلى عفو الله وإلى مغفرة الله لن تبال بأي شيء تناله في سبيل ذلك، ومن هنا تتربى النفس على هذه القوة المستمدة من اليقين بالله - Y- وهي التي ثبت بها أهل الثبات -جعلنا الله وإياكم منهم إلى الممات - وبها رابط المرابطون، وثبت المجدون ونالوا بها مرضاة الله في الدنيا والآخرة، في شهر الصيام ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يؤدي عبادته على أكمل وأفضل وأجمل ما يكون عليه الأداء، فيسرّ في قرارة نفسه أنه عاقد العزم بإذن الله على أن يصوم صيام رسول الله - r- ، فيمتنع عن طعامه وشرابه وشهوته، ويبتعد عن كل شيء ينقص أجره في الصيام، ويلتمس كل شيء يزيد من أجره عند الله - Y- ، ساعات قليلة، أياما معدودات يقول الله – Y- ولكنها فاضلات كاملات عظيمة الأجر عند الله - I- وهل هناك مثوبة أعظم من تكف بها النار عنك، لاشك أنها أعظم مثوبة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}، ففيها أعظم نعمة تكون سببا للفوز بإذن الله – U- .

وذكر بعض العلماء في قول النبي – r- : (( الصيام جنة)) أن العبد إذا جاز على النار نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها وأن يسلمنا وإياكم منها فإن الله يجعل الصوم جنة له فكل من عبث في صومه وأضاع حق ربه لم يأمن أن تخدشه النار على قدر تفريطه وتضييعه، فالذين يضيّعون صيام رمضان سيكون لهم من كلاليب النار، وسيكون لهم من بلائها على قدر ما ضيعوا إلا أن يرحمهم الله برحمته، ولذلك ينبغي للمسلم أن يدخل شهر رمضان عاقدا العزم على أن يصوم صيام رسول الله – r- ، فلا يرضى بأداء الحق فقط، بل يسعى إلى الأكمل والأفضل.

الصائم ونعم الصائم الذي صام لله قلباً وقالباً، صام لله في قلبه فلم يدخله الشحناء ولا البغضاء ولا الحقد على المسلمين، ولا سوء الظن بهم، ولا التهمة، صام لله قلبا حينما أخلص لله وأراد ما عند الله وابتغى وجه الله يتمنى أن صيامه بينه وبين الله لا يعلم به أحد، صام لله قالبا حينما امتنع عما أمر بالامتناع عنه، سواء كان من الأمور التي تتعلق بمطعمه أو مشربه أو شهوته، ولذلك تجده أعف الناس لساناً وأعف الناس جارحةً، وأبعدهم عما لا يرضي الله وأكثرهم صيانةً في حدود الله ومحارم الله، فإذا أردت أن يعظم أجرك وأن يثقل ميزانك تتحرى السنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير