تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رمضان شهر الإقبال على القرآن للشيخ عز الدين رمضاني]

ـ[بلال اسباع الجزائري]ــــــــ[20 - 08 - 08, 06:02 م]ـ

اعلم ـ وفّقك الله ـ أنّ من فضائل هذا الشهر العظيمة، التي هي من نعم الله الجسيمة إنزاله لكتابه المجيد هدى للناس، وشفاء للمؤمنين، يهدي للتي هي أقوم، ويدعو إلى سبيل الرشاد في ليلة مباركة من شهر رمضان الخير، قال تعالى: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ? [البقرة: 185].

فوصف شهر رمضان بأنّه أنزل فيه القرآن، وبنى ما بعده عليه بحرف الفاء التي تفيد السببية والتعليل ?فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ?، وهذا يفيد بطريق الإيماء إلى العلّة، وهي أنّ سبب اختيار رمضان ليكون شهر الصوم هو إنزال القرآن فيه، وذلك أكبر نعمة من الله على هذه الأمّة الطيّبة المباركة، ألا ترى أنّ الله حين عدّد نعمه على الإنسان بدأ بذكره فقال: ?الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَان? [الرحمن: 1 - 4].

«فقدّم من نعمة الدين ما هو في أعلى مراتبها، وأقصى مراقيها، وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه؛ لأنه أعظم وحي الله رتبة، وأعلاها منزلة، وأحسنه في أبواب الدين أثرًا، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها، والعيار عليها (1)، وأخّر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه ليعلم أنه إنما خلقه للدين، وليحيط علما بوحيه وكتبه، وقدم ما خلق الإنسان من أجله عليه، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضمير» (2).

وعليه فإذا علم أن أكرم يوم عند الله هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فيجب أن يُعتنى به حق الاعتناء، وأن يُخص بعمل زائد، ويشهد لهذا ما جاء في تحرّي ليلة القدر وتخصيصها بمزيد من العمل والاجتهاد في الطاعة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله (3)، والنعمة إذا حصلت للمسلمين استوجبت مزيدًا من العمل والاجتهاد، شكرا الله وقياماً بحق النعمة، كما أمر البارئ جلّ وعلا عباده أن يذكروه بالحمد والثناء لما وفّقوا إليه من أداء العبادة والفراغ منها، قال تعالى بعد تمام نعمة شهر الصيام: ?وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ? [البقرة: 185]، وقال بعد تمام مناسك الحجّ: ?فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا? [البقرة: 200]، وقال تعالى بعد الفراغ من أداء الجمعة: ?فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [الجمعة: 10]، وقال بعد انقضاء المكتوبة: ?فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ? [النساء: 103].

وقد تقرر أن مضاعفة أجر الأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان، كالأمكنة التي بارك الله فيها من المسجد الحرام ومسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها شرف الزمان فإنّ الأعمال تضاعف في الأزمنة الفاضلة كعشر ذي الحجة ويوم عرفة وشهر رمضان وليلة القدر، ومنها شرف العامل عند الله وقربه منه وخلوص نيته وصفاء قلبه وكثرة تقواه، ومعلوم أنّ الصائم يتهيّأ له في هذا الشهر جلّ هذه المذكورات، ويوفّق لكثير الأعمال والطاعات، فهو في شهر صفّد الله تعالى فيه الشياطين وضاعف فيه مواهب الإحسان، وفتح فيه أبواب الخير والغفران، وأعطى السبق فيه لتلاوة القرآن، شهر تؤدى فيه التراويح، المساجد فيه معمورة، ونعم الله فيه منشورة، فيه تعتق الرقاب من النار، وفيه يتزود المقيم في هذه الدار، عمرة في أيّامه تعدل حجّة في الأجر والثواب، وقيام ليلة من لياليه تفضل ألف شهر كما هو مرقوم في الكتاب، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حرم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلاّ محروم» (4).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير