تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واحتج على ذلك بأن المراصد العالمية بما فيها مرصد جامعة الرياض أكدت حسابات أم القرى بأن شهر رمضان الماضي كان 30 يوماً ولم يكن 29. وزعم أن الهلال في مساء يوم الحد الموافق 29 رمضان قد غرب قبل الشمس بمدة لا تقل عن عشر دقائق في جميع أنحاء المملكة ... إلخ

وتعلق أيضاً بأن مؤتمر اسطنبول قد وضع قواعد للرؤية الحكيمة لحل هذه المشكلة.

ولما كان هذا الموضوع له أهمية كبيرة؛ لتعلقه بصوم المسلمين وفطرهم وحجهم رأيت أن أكتب في ذلك كلمة موجزة تتضمن إيضاح الحق وإبطال ضده، فأقول:

إن الأحاديث الصحيحة قد استفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر باعتماد الرؤية وإكمال العدة وعدم الالتفات إلى الحساب. فوجب على المسلمين جميعاً أينما كانوا أن يأخذوا بذلك ويعتمدوه، ولا يجوز لهم أن يكذبوا الثقات في رؤية الهلال بأن المرصد الفلاني زعم كذا، أو بأن المراصد الأخرى زعمت كذا أو بأن مؤتمر استطنبول وضع كذا. وقد سبق الجميع المعلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فوضع للمسلمين قواعد واضحة، يعرفها العالم والجاهل والحضري والبدوي والحاسب وغيره، فقال عليه الصلاة والسلام: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) [1]، وفي لفظ: ((فصوموا ثلاثين)) [2] وفي لفظ آخر: ((فاقدروا له ثلاثين)) [3]، وفي حديث آخر: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) [4].

وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة)) [5].

وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا)) [6].

وعن أمير مكة الحارث بن حاطب رضي الله عنه قال: ((عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما)) [7].

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) وأشار بأصابعه العشر ثلاث مرات، وقال: ((الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) [8] وخنس إبهامه في الثالثة، والمعنى: أنه يكون تارة ثلاثين ويكون تارة تسعاً وعشرين.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولم يحلهم النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الشهور إلى الحساب، بل أحالهم إلى أمر مشاهد يراه الناس في السماء، وعند عدم الرؤية أمرهم بإكمال العدة، وقد أجمع سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان من أهل العلم المعتبرين على ذلك.

فلا يجوز لأحد أن يحتج على إبطال الرؤية بمجرد دعوى أصحاب المراصد أو بعضهم مخالفة الرؤية لحسابهم، كما لا يجوز لأحد أن يشترط لصحة الرؤية أن توافق ما يقوله أصحاب المراصد، لأن ذلك تشريع في الدين لم يأذن به الله، ولأن ذلك تقيد لما أطلقه الله ورسوله، واعتراض على صاحب الشريعة الذي لا ينطق عن الهوى، وتكليف للناس بما لا يعرفه إلا نفر قليل من الناس، فيضيقون بذلك ما وسعه الله.

ومن المعلوم أنه لا أحسن ولا أكمل من حكم الله ورسوله في كل شيء كما قال الله سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [9]

فنصيحتي لجميع المسلمين ولجميع الحاسبين بوجه أخص أن يتقوا الله، وأن يحذروا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتشريع للناس بما لم يأذن به الله، وقد قال الله عز وجل: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [10]، وقال سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [11]، وقال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [12]، وقال تعالى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير