[محنة الأندلسيين لصيام رمضان]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[22 - 08 - 08, 12:21 ص]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسولنا محمد و على أله و صحبه أجمعين.
قال الله تعالى:** شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة
إن من النعم التي أكرم الله بها عباده و أقرّ أعين المؤمنين بها أن بلّغهم شهر رمضان, هذا الشهر الفضيل الذي ُأنزل فيه القرآن العظيم على محمد صلى الله عليه و سلّم هو من خصائص الدين الإسلامي التي جمعت كل العبادات من صلاة و صيام و ذكر وصدقة و عمرة إضافة إلى تبني مكارم الأخلاق و أعفّها و أنبلها. قال عليه الصلاة و السلام: ((الصوم جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم))::: رواه البخاري ومسلم
و قد و عد الله عز وجل من قامه حقّ قيامه بالعتق من النار و المغفرة و الأجر الكريم. قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))::: رواه البخاري ومسلم.
فطوبى لمن عرف كيف يقوم رمضان و أحسن استغلاله في طاعة الرحمان.
و ياحسرة من ضيّعه و زادته غفلته بعدا عن الرحمان.
و ما أشد حسرة من ضيعه و هو له آخر رمضان.
من خلال هذا الموضوع – الذي أسأل الله أن يكون خالصا لوجهه الكريم- أريد أن أستعرض محنة طائفة من المسلمين عاشت دهرا طويلا في أرض كانت إسلامية تُدعى الأندلس. و قد غلب الكفار سنة 1492م على أرضهم فساموهم سوء العذاب و أرغموهم على التنصّر واعتقاد الكفر و التثليث و أكل لحم الخنزير و شرب الخمر و التسمّي بالأسماء النصرانية و لباس الزي النصراني ... , هذا و أجبروهم على التنصّل من كل اعتقادات المسلمين و التخلي عن المظاهر الإسلامية الظاهرة و الباطنة. و قد حكموا على من خالف ذلك بالموت شنقا و حرقا أو بالسجن المؤبد أو المؤقت أو بمصادرة الأموال أو بالأشغال الشاقة و .... و ... و لائحة الإرهاب النصراني طويلة.
و قد أطلق النصارى الإسبان على هذه الطائفة من المسلمين اسم "الموريسكيون" Moriscos أي "المسلمون الأصاغر" تمييزا لهم و تصغيرا من شأنهم. كما أطلقوا عليهم اسم " النصارى الجدد" Cristianos nuevos.
و بما أننا في شهر رمضان المبارك فقد اخترت أن أتناول حياة هؤلاء المسلمين -الذين عاشوا كنصارى ظاهرا و مسلمين باطنا – في شهر رمضان. كيف كانوا يرون رمضان؟ هل كانوا يصومونه؟ كيف كانوا يعيشونه؟ ماذا لحقهم جرّاء ذلك؟ إلى غير ذلك من الاستفسارات التي قد تُطرح عن حياة هاته الفئة من المسلمين التي –صراحة- تجاهلها المؤرخون المسلمون و كما ستلاحظون فأغلب الوثائق التي سأنقلها ذات مصدر إسباني و محفوظة في أرشيفهم.
و لعل هذا أوّل موضوع من نوعه يتطرّق بصفة شبه مفصلة لحياة المورسكيين في شهر رمضان وما لقوه من شدة و محنة في سبيل صيام و لو يوم واحد منه دون أن يلحقهم أذى النصارى.
1 - لمحة تاريخية:
سقطت دولة الإسلام بالأندلس سنة 1492م بتسليم أبي عبد الله ابن الأحمر –غفر الله له- مدينة غرناطة آخر معقل إسلامي بالأندلس إلى الملكين الكاثوليكيين فرديناند و إيزابيلا – عليهما من الله ما يستحقان- فرفعا الصليب على أعلى أسوار قصر الحمراء و أدى النصارى صلاة الحمد شكرا للرب على هذا الفتح -زعموا – , و قد وعد الملكان الكاثوليكيان في اتفاقية تسليم غرناطة المسلمين باحترام دينهم و تركهم أحرارا في اعتقادهم و عباداتهم. لكن ما أن غادر أبو عبد الله قصر الحمراء حتى حُوّلت مساجده إلى كنائس و قد كان هذا أول ناب كشّر عنه النصارى في خطة افتراس الأندلسيين.
¥