فتعقبه محقق مجمع البحرين في زوائد المعجمين الأوسط والصغير (رقم/3913) بقوله: ((فيه نظر، فإن الراوي عن المسعودي: يونس بن بكير بن واصل الشيباني – وهو من رجال مسلم-مترجم في التهذيب، وهو كوفي فسماعه من المسعودي قبل اختلاطه)).
قلت: هكذا جاء في معاجم الطبراني الثلاثة: ((يونس بن بكير))، وكذا عينه محقق مجمع البحرين – بكل اطمئنان - بأنه ابن واصل الشيباني الذي روى له الإمام مسلم في صحيحه!
ومن الطبيعي جدًا ألا يشك أي باحث فيما ذهب إليه محقق مجمع البحرين، ولكن مع شيئ من التروي – وهو الأمر الذي يجب أن يتصف به أي محقق للتراث الإسلامي – يعلم بأن ما جاء في معاجم الطبراني الثلاثة من قبيل التحريف! وأن ما ذهب إليه الأخ الفاضل محقق مجمع البحرين خطأ مئة في المئة!
وبيان ذلك: أن يونس بن بكير الشيباني ليست له رواية عن المسعودي- واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي -، ولا لأحمد بن الفضل الحراني رواية عنه، كما في مصادر تراجمهم.
ثم وجدت ابن أبي حاتم لما ترجم لأحمد بن الفضل الحراني في الجرح والتعديل (2/ 60) ذكر في شيوخه: مسكين بن بكير.
ولما نظرت في ترجمة مسكين بن بكير من تهذيب الكمال (27/ 483) وجدته حرانيًا، وهي نفس نسبة الراوي عنه. وكذلك وجدت أن من شيوخه المسعودي؛ وهو شيخه في هذا الحديث.
فاطمأن قلبي أنه هو نفسه المذكور في السند، وأن ذكر يونس من الأوهام.
ولكنني كنت في حاجة ماسة للعثور على مصدر آخر مذكور فيه إسناد هذه الرواية على الصواب، حتى أطمأن إلى ما ذهبت إليه، وبفضل الله تعالى وجدت ما كنت أصبو إليه، فقد وجدت أبا نعيم روى هذا الحديث نفسه في ذكر أخبار أصبهان (1/ 279) من طريق أحمد بن الفضل الحراني، قال: عن مسكين بن بكير، عن المسعودي به.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ومسألة التغيير في اسم الراوي سواء كانت من تصحيف، أو تحريف، أو قلب لم يسلم منها كثير من أئمة هذا الشأن لأنها – كما قال الإمام عبد الغني الأزدي في مقدمة كتابه ((المؤتلف)) – ((شيئ لا يدخله القياس، ولا قبله شيء، ولا بعده شيء يدل عليه)).
ولهذا قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: ((ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف؟)).
ومن أعجب ما وقفت عليه في ذلك ما وقع للإمام أبي حاتم الرازي – رحمه الله تعالى- في كتاب ((علل الحديث)) (2/ 294،295 رقم:2388) لما سأله ابنه عن حديث رواه محمد بن أبي موسى الأنطاكي، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني زياد بن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير ما تداويتم به الحجامة)) الحديث. ثم قال ابن أبي حاتم: ((قال أبي: زياد لا يدرى من هو، وإنما يروى هذا الحديث عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم)).
قلت: والاسم تصحف هنا على الإمام أبي حاتم – رحمه الله – وصوابه: زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتصحفت كلمة ((عن)) إلى ((بن)) فلم يعرفه، وزياد هذا هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، وثقه أبو حاتم نفسه كما في الجرح والتعديل (3/ 533).
وقد جاء الحديث على الصواب عند النسائي في الكبرى (4/ 376)، من طريق ابن جريج قال: أخبرني زياد بن سعد، عن حميد الطويل به.
ومن الجدير بالذكر أن نذكر هاهنا أهم المصنفات التي يستعان بها في معرفة صحة اسم الراوي، وأنه لم يقع في تصحيف أو أي نوع من أنواع التغيير:
1 - كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي – رحمه الله تعالى – فأنه يذكر في خلال تراجم الرواة أكثر مشايخهم، ومن روى عنهم، ولم يقتصر المزي في ذلك على الكتب الستة فحسب؛ بل إنه يستعين بذلك بكثير من المسانيد، والأجزاء الحديثية. ولكن ينبغي ألا يقتنع الباحث بتهذيب المزي فحسب؛ بل يجب أن يشمل بحثه عن الراوي المراد معرفته بالكتب الأخرى المصنفة على تراجم الرواة، حيث أن الإمام المزي لم يشترط على نفسه أن يستوعب كل مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، فإنه فاته في ذلك الشيء الكثير – على الرغم فيما بذله من مجهود عظيم في هذه النقطة بالذات – حيث توجد عدة مصنفات حديثية أكاد أجزم أن الإمام المزي لم يستعن بها في ذكر مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، بسبب كثرة ما كنت أستدرك عليه في ذلك، ومن هذه المصنفات – على سبيل المثال – كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمستدرك للحاكم
¥