تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شكلت مراقبة هلال رمضان للأندلسيين مهمة محفوفة بالمخاطر نظرا لانتشار أعين الوشاة الذين يترصدون الحركة الكبيرة و الصغيرة التي قد توحي بأن فاعلها مسلم. لكن شدة شوقهم لصيام رمضان كانت أكبر من خوفهم من النصارى فصعدوا إلى المرتفعات لرؤية الهلال حرصا على صيام رمضان في وقته الشرعي.

في هذا الإطار تروي الباحثة الإسبانية أرينال نقلا عن محاضر محاكم التفتيش بكوينكا:

"يبدأ الصيام بظهور هلال رمضان الذي كان يدور حوله توقع كبير. و كان هناك قلق عند انتظار الهلال و مراقبته, و كانوا ينقلون خبر ظهوره بين القرى المجاورة و يتناقشون حوله. و تسبب هذا الاهتمام بهلال رمضان في محاكمة عدد ليس بالقليل من المورسكيين. تجدر بالذكر حالة ديثا, ففي عام 1570م (أي بعد 78 سنة على تنصير المسلمين) تم القبض على نصف القرية لأنهم خرجوا إلى أماكن الفضاء لرؤية ظهور هلال رمضان, و لما دار جدل حول ما إذا كان الهلال ظهر أم لا انقسموا إلى جماعات متفرقة و بدأت كل جماعة تدافع عن موقفها بصوت عال, و بالبتالي علمت السلطات و قبضت عليهم. (4)

و الحالات التي يظهر فيها المورسكيين و هم يستطلعون الهلال عديدة: ماريا دي أليخير ( Maria de Aliger) من ديثا- (5): "لشغفها بمعرفة متى سيبدأ شهر رمضان حتى تصوم, قالت لأحد المورسكيين إنها ذهبت لرؤية الهلال في فضاء هذه القرية".

و خيرونيمو, نقاش أركوس, رآه جاره ذات ليلة و هو ينظر إلى الهلال و قال له هذا الشاهد: إلام تنظر و ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قال هذا النقاش: إنه جاء لرؤية الهلال, قال الشاهد: تريد أن تصوم؟ قال له النقاش: أجل فهناك في أراغون يصوم الجميع" (6)

4 - محنة الأندلسيين لصيام رمضان

لتسهيل الوشاية بالمسلمين من طرف النصارى و لمنعهم من أداء شعائرهم الإسلامية, نشرت السلطات الكنسية التابعة لمحاكم التفتيش لائحة طويلة من ستة و ثلاثين مظهرا من المظاهر الإسلامية التي وجب الإخبار عنها و منها:

" – إذا قاموا بصيام رمضان, و راعوا ذلك أثناء عيد الفصح و سلموا بعض الصدقات و أنهم لم يأكلوا و لم يشربوا حتى يلاحظوا النجمة الأولى.

- إذا قاموا بالسحور, واستفاقوا ليأكلوا قبل طلوع النهار أو غسلوا أفواههم و رجعوا إلى فراشهم" (7)

هكذا عاش الأندلسيون في حالة خوف و حذر من الوشاة و أخفوا عقيدتهم و التمسوا الخلوات و الأماكن المنعزلة لأداء فرائضهم و منها الصيام و كان النصارى إذا حل رمضان يمتحنوهم لمعرفة ما إذا كانوا ممسكين و رغم اعتذار الأندلسيين بأعذار مختلفة لتبرير عدم أكلهم فإنهم كانوا يتابعون من طرف محاكم التفتيش. و هذا ما جعل عدد المورسكيين المدانين في شهر رمضان أكثر من الشهور الأخرى. فهذا الأندلسي فرانسيسكو القرطبي ( Francisco Cordoba)" الذي كان يصوم رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر كامل, لم تعرض له دعوات كثيرة من جيرانه مثل تلك التي جاءت خلال شهر رمضان, وقد كان حريصا على احترام الصيام, و أنه إذا دُعي للغداء فإنه كان يرفض بحجة أنه فاقد للشهية, و إذا دُعي أثناء الأكل, فإنه كان يرد أنه أكل قبل ذلك في مكان أخر" (8)

و قد سجلت محاضر محاكم التفتيش الإسبانية أعدادا كبيرة من حالات ضُبط فيها الأندلسيون في حالة صيام (عندما يصبح الصيام جريمة و لا حول و لا قوّة إلا بالله) وتبقى أشهر قضية عرفتها محاكم التفتيش هي ضد عائلة ابن عامر المسلمة (سليلة المنصور ابن أبي عامر الشهير) ببلنسية سنة 1567م و تبيّن لنا هذه القضية تعظيم المورسكيين لشهر رمضان و إصرارهم على صيامه رغم المنع و الحضر النصراني لأي مظهر إسلامي ..

و قد ذكر محضر الإتهام بعض شهادات المقرّبين من عائلة ابن عامر كشهادة الخادمة المورسكية أنخيلا زوجة خايمي أليمان و التي شهدت " أنها – و عمرها ستة عشر عاما – قد أدت شعائر المسلمين, فصامت رمضان, و أنها كانت خادمة للسيد خيرونيمو بن عامر في بناغواتيل بعد أن كانت تعمل خادمة في بيت هاشم في سيغوربي, و في بيت السيد خيرونيمو صامت رمضان معه و مع زوجته و أبنائه, وهم السيد كوسمي و السيد خوان و السيد أيرناندو و السيدة أغرايدا, وقد احتفل كل هؤلاء بعيد المسلمين فارتدوا أفضل الثياب لديهم. و هذا ما حدث بالضبط في بيت هاشم في سيغوربي – و السيد هاشم متزوج من السيدة أغرايدا ابنة السيد خيرونيمو – فلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير