المسألة الثانية: إن الحديث يدل على الإذن للصبيان بدخول المساجد؛ لأنها أماكن أداء الصلاة. وعلى ولي الصغير أن يعوده الذهاب إلى المسجد وحضور الجماعة، فيأخذه معه، ويجعله بجانبه، لينشأ على حب العبادة والتعلق بالمسجد، فيسهل عليه الأمر بعد البلوغ.
وأما إذا كان الصبي غير مميز، فقد ورد في نصوص الشريعة ما يدل على جواز دخوله المسجد، وهي نصوص صحيحة صريحة، رواها عدد من الصحابة – رضي الله عنهم – بألفاظ متعددة. .
ومن ذلك ما روى أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها)).
وفي لفظ: (((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه)) [3].
فهذا الحديث دل على مسألتين:
الأولى: جواز إحضار الصبي إلى المسجد وإن كان صغيراً، لما ورد في بعض الروايات: ((بينما نحن في المسجد جلوساً خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة وهي صبية)) [4].
وجواز حمله في الصلاة ولو كانت فريضة لقوله: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس)) الحديث.
الثانية: أن ثياب الأطفال وأبدانهم طاهرة ما لم تعلم نجاستها [5]، وعليه فلا يجوز منعهم من المساجد لمجرد احتمال تنجيسهم لها.
ومن الأدلة أيضاً ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشاء حتى ناداه عمر: قد نام النساء والصبيان)) الحديث [6].
فدل هذا الحديث على مسألتين:
الأولى: جواز دخول الصبيان المساجد، وحضورهم الصلوات، وهو صريح في أن ذلك وقت صلاة العشاء في ظلمة الليل. وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث بقوله: (باب وضوء الصبيان إلى قوله: وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم)، وهذا يدل على أن البخاري فهم أن هؤلاء الصبيان كانوا حضوراً في المسجد، وهذا هو الظاهر. خلافاً لمن قال: إن المراد: ناموا في البيوت؛ لأن عمر – رضي الله عنه – نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنهم ناموا، ولو كان ذلك النوم في البيوت لكان طبيعياً ولا حاجة للتنبيه إليه [7].
وإنما خصهم بذلك؛ لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم، ومحلّ الشفقة والرحمة، بخلاف الرجال [8].
الثانية: أن لفظ (الصبيان) في الحديث جمع معرف باللام، فيعم كل صبي صغيراً كان أو كبيراً.
وأما منع الصبيان من دخول المساجد بحجة التشويش على المصلين بما يحدث منهم من بكاء أو صراخ أو لعب، فهذا مردود؛ لأن الصبي إن كان مميزاً أمكن تأديبه وتعليمه السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، لا سيما في بيوت الله. فيتعلم الإنصات، وحسن الاستماع، والهدوء؛ لأن ما يسمع من هؤلاء المميزين من الألفاظ السيئة، والعبارات البذيئة، والحركات التي لا تناسب المسجد إنما هو بسبب إهمال الأولياء، وعدم العناية بهذه الناشئة.
ومن أسباب ذلك: ترك الصغار في الصف متجاورين فيحصل منهم اللعب والحركات التي تشوش على المصلين عموماً وعلى من يجاورهم خصوصاً. أما إذا فرّق بينهم، أو صلى صبي بجانب وليه فإنه يزول هذا المحذور. وهذا هو الواجب على الأولياء وجماعة المسجد الذين يكثر الصبيان فيهم، وإن تركوهم وشأنهم صاروا مصدر إزعاج. وقد يصعب علاج الأمر إن لم يتدارك من أوله. وهذا أمر مشاهد وملحوظ. وإن كان الصبي غير مميز فيمكن حمله في الصلاة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو تلهيته بشيء من اللعب، كما ثبت في السنة [9].
وإذا تقدم الصبيان – ولا سيما المميزون – إلى الصف الأول أو كانوا وراء الإمام فإنه لا ينبغي إبعادهم – على الراجح من قولي أهل العلم – لما يلي:
* ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، وفي لفظ: (أن يقيم الرجلُ الرجلَ) [10].
* فهذا نهي صريح في إقامة الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه، والصبي المميز داخل في هذا الحكم.
قال القرطبي: (نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه) [11].
¥