تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن أول انحراف للبشرية عن عبادة الله وحده لا شريك له إلى عبادة الأصنام والأوثان كان بسبب التصوير.

فعن ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً)، قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم؛ أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم، عبدت.

وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم.

وليس ببعيد عنا ما حدث في أفغانستان، لما أرادت أمة التوحيد هدم صورة من يتخذه الوثنيون في اليابان وغيرها إله يعبد من دون الله، وكانت منحوتة على جبل من جبال الأفغان، فإن اليابان التي تعد نفسها في مقدمة الدول المعاصرة تطوراً وتقدماً علمياً وتكنولوجياً، عرضت على أمة التوحيد في بلاد الأفغان عشرات الآلاف من ملايين الدولارات لتفتدي به صور إلهها المزعوم،

فأبى الموحدون مع فقرهم وحاجتهم إلا أن يزيلوا هذا الوهم الذي فرضه سلطان التصوير على عقول أولئك الوثنيين الذين يدّعون التقدم والتطور، وهم في حقيقة الأمر بهذا الاعتقاد الذي يقدس الحجر وما نحته المصورون بأدواتهم في مؤخرة الأمم فكراً واعتقاداً.

ولولا فتنة التصوير التي أخذت بمجامع قلوبهم وسيطرت على عقولهم وأفهامهم لكانت هذه الأمم أقرب الناس إلى التصور العلمي والإدراك العقلي لحقيقة الحجر، وحقيقة الصورة، وأنه لا قداسة فيها ولا نفع لها ولا ضر، ولكن للصورة فتنة طاغية ذهبت بعقول أولئك القوم وأفهامهم كل مذهب. حتى إن العاقل الموحد ليعجب من أمر هؤلاء وما وصلت إليه عقولهم وأفهامهم من التردي والانحراف.

أما تأثير التصوير في إبراز فتنة الأجساد، وما فيها من إثارة لدواعي الشهوة والانحراف الخلقي، فهو ما لا يحتاج إلى دليل عقلي أو نقلي، فالواقع المشاهد الملموس في عصرنا الحاضر لما تحدثه الصورة الثابتة أو المتحركة من إثارة للغرائز، ودفع إلى الشهوات والانحراف الخلقي خير شاهد ودليل على فتنة الصورة، وخطر التصوير.

لقد وظف المفسدون الصورة المتحركة والثابتة في الأفلام السينمائية والتلفازية، وفي الصور الفوتوغرافية في المجلات والصحف وغيرها في نشر الفساد، وإشاعة الفتنة، واستثارة الغرائز، بما لا يدع مجالاً للشك في أنها من أقوى وسائل الفساد والانحراف تأثيراً على أخلاق الناس ومعتقداتهم.

ولك أن تتصور في زمننا هذا، كم أحدثت الصورة الثابتة والمتحركة من فساد وفتنة في المجتمعات، وكم صرفت من العيون والقلوب عن طاعة الله وعبادته، وكم دعت إلى الفتنة والغفلة والشهوات.

إن الحضارة الغربية اليوم بطغيانها المادي وانحرافها الأخلاقي قد وظفت الصورة في تدمير أخلاق الأمم المحافظة، والسيطرة على عقول شبابها، والعبث بعواطفهم، وتخريب قواعد التربية ومقومات السلوك السوي في حياتهم، بعدما دمرت الفضيلة والأخلاق في بلادها.

والغربيون قوم مفتونون بالصورة، مولعون بالتصوير، حتى إن منهم من يشتري اللوحة لأحد المشاهير من الرسامين بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات، ويقيمون لها المتاحف والمعارض، ويسعون إلى اقتنائها مهما كلفهم ذلك من جهد أو مال، وربما تكبد أحدهم المشقات في الأسفار الطويلة، مع ما يبذله من الأموال، في سبيل الحصول على صورة مرسومة أو منحوتة، والفخر باقتنائها.

وقد ساعد ظهور آلة التصوير الفوتوغرافي والمتحرك في الحياة الغربية، في ازدياد ولع الغربيين بالتصوير حتى تحول في حياتهم إلى جنون عارم، لا تكاد معه ترى رجلاً منهم أو امرأة إلا حاملا آلة التصوير يتنقل بها من مكان إلى مكان يصور ويصور ويصور، لا يكاد يشبع من

التصوير نهمته، ولا يروي غلته، حتى إن العاقل البصير ليدرك أن القوم مفتونون، وأنهم على هذه الفتنة يحيون وعليها يموتون.

وقد شاعت فتنة التصوير في عصرنا هذا في سائر الأمم، وأشاعت الفساد والانحراف، والتهتك الأخلاقي، والانحراف العقدي في سائر الشعوب والأقطار.

إنها سوءة الحضارة الغربية، وفتنتها، ولعنتها التي تطارد الفضيلة، وتفتك بالأخلاق في كل مكان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير