تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نفحة .. الشيخ المقري عادل الكلباني]

ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[25 - 08 - 08, 08:53 م]ـ

الحمد لله حق حمده، وصلى الله وسلم عل نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه ووفده، وبعد،،، فالحديث عن رمضان ذو شجون، تتلهف له القلوب، وتذرف منه العيون، وتشتاق له النفوس وبذكره تتعلق.

فلرمضان معنا ذكريات، ولنا فيه موسم للخيرات، وفي لياليه أنس وتغن بالآيات البينات، وفي تاريخ الأمة مع رمضان معارك وغزوات وانتصارات.

في رمضان رقاب تعتق، وأكف تدعو وتتصدق، وأزهار الإيمان تنمو وتتفتق، فتبيت نفوس زاكيات، تتقرب من ربها وتتملق.

وفي رمضان يفوح شذى الجنان، ويكثر عطاء المنان، ويعظم الفضل من الرحمن، فيتنافس المسلمون أيهم إلى الخير أسبق.

ففي ليلة من ليالي رمضان أشرق النور، وتفتحت الزهور، ولفت حياء وجهها من ذلك الحدث بقية الشهور، إذ نزل جبريل بآي الذكر الحكيم، يهدي البشرية ويسعدها، ويسمو بها ويزكيها، واستمتعت أذن الحبيب صلى الله عليه وسلم بأول آيات التنزيل، بهذه الآيات بدأت حياة المسلمين، وبها بدأ النصر المبين، وبها فتحت صفحة الجهاد والعبادة، وعبقت أرجاء الأرض كلمات الشهادة، وطويت صفحة الذل والخنوع والبلادة، ورفعت راية العز والتمكين والسيادة، فخاب المعرضون، وخسر الكافرون، وفاز المحسنون بالحسنى وزيادة.

وقد سئل صلى الله علي وسلم عن صيام يوم الاثنين فقال: ذلك يوم ولدت فيه، ويم أنزل علي فيه. أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة.

فكان إنزال القرآن الكريم على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر من شهر رمضان أولَ ما أكرمه الله تعالى بنبوته واصطفائه. فهي بداية منة الله على المؤمنين، والسعيد من قرأ الرسالة، واتبع الهدى فكان من أوليائه.

وقِف وقفة قصيرة مع أول ما أنزل من الكتاب، من أوائل سورة العلق، التي افتتحها المولى جل وعلا آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن تبعه بالقراءة، واختتمها آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بالسجود. فقال في أولها: اقرأ باسم ربك الذي خلق، وقال في خاتمتها: كلا لا تطعه واسجد واقترب. فالقرآن مقوم لاعوجاج القلوب وبانيها، وزارع شجرة الإيمان فيها وساقيها، وهو المزيل عنها أدرانها، وإن كان بها مرض فهو يشفيها، وتأمل لهذا المعنى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب. رواه الترمذي والدارمي، وقال الترمذي حديث حسن صحيح. والبيت الخرب تلقى فيه القاذورات، وتستوطنه الهوام والمنبوذ من الحيوانات، وتسكنه الشياطين، وتعشش فيه الحشرات، وهكذا قلب ليس فيه قرآن، تملؤه الأهواء والشهوات، وتعصف به الفتن والشبهات، فلا جرم أن من تعلم القرآن وعلمه كان من خير هذه الأمة كما صح الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

إن مدرسة رمضان، هي مدرسة القرآن، وقد وصف خلق نبيكم صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: كان خلقه القرآن.

والقرآن حين اصطبغت أيام رمضان ولياليه به تنوعت ثمراته، إذ شرع فيه الصيام تربية للنفس كي تدع عنها شهواتها، وتقاوم رغباتها، وتحقق تقواها، وتراقب مولاها.

ففي الصوم يتجلى صدق المراقبة لله، وصدق اليقين بموعود الله، وهذه التربية في هذه الدورة الشرعية العملية، أياما معدودات، تكسب المسلم بعد أن يكمل العدة قدرة على المراقبة والمحاسبة لذاته، وكيف يصدق مع الله، وكيف يخلص العمل لوجهه جل وعلا.

وبهذا يستلهم المسلم من هذه المراقبة ما يعينه على نهج الخير والفضيلة، وما يعينه على اجتناب الباطل والرذيلة، وتمنحه قوة خاصة، وإرادة صلبة ضد شهوات نفسه وغرائزها وأهوائها، وتبني في داخله سدا منيعا يحميه من وساوس الشيطان وهمزه ونزغاته.

وكل من ضعفت إرادته فلم يصم، وتكاسل فلم يقم، فهو مكبل بالشهوة، عبد للهوى، سرعان ما تجره الشياطين إلى منحدر لا يستطيعون منه القيام، ولا هم ينصرون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير