ولما كان القرآن مسيطرا في رمضان، مهيمنا عليه، كان الصيام ورمضان صقلا لأخلاق المسلم، كي يكف نفسه عن رذائل الأخلاق، غيبة ونميمة، وزورا وبهتانا، يتعلم فيه أن يأكل الحلال، وأن يجتنب الظلم والعدوان، بل تحفزه لكي يسمو بأخلاقه فوق ذلك كله، تسمو للعفو والصفح والغفران، فيقابل من أساء إليه بكظم غيظه، والتجاوز عنه والإحسان إليه. كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يفسق، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. أخرجاه.
وعند البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
وعند الدارمي بإسناد جيد: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر.
وتصديق ذلك في حياتنا بين ظاهر، فكم من صائم نهارا عن أكل وشراب، مرخ عنان عينيه يرقب الشاشات، ويتابع الأفلام والمسلسلات، مطلق لسانه في غيبة، ونميمة، وتشاتم وسِباب، جامع سوء الخلق من أطرافه، مفسد صومه معنويا، ملغ آثاره خلقيا، وبعيد عن ثمراته تربويا، فهو مفطر على الحقيقة، وإن كان صومه صحيحا فقهيا.
فالصيام مرتبط بالقرآن، والقرآن متمم لمكارم الأخلاق، مرب للنفوس على الزكاء والطهارة الحسية والمعنوية.
فكأن الصيام يقول للمسلم اقرأ: ولا يغتب بعضكم بعضا. اقرأ: لا يسخر قوم من قوم. اقرأ: واتقوا الله لعلكم تفلحون. اقرأ: ويل للمطففين، اقرأ: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. وقف مليا واقرأ: وإنك لعلى خلق عظيم.
فغابت عمن صام هذا الصيام غايةُ الصيام، المبينة في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
وليعلم المسلم أن نزول اقرأ باسم ربك الذي خلق، منبه له لأحقية من خلقه ورباه بنعمه أن يستمع أمره، ويفهم مراده، وأن يذل له ويخضع، فإياك أن تكون ممن يطغى، أن رآه استغنى، وإياك أن تكون من أتباع من ينهى عبدا إذا صلى، فتنهاه ولو بشغله عنها، أو بما يلهيه عنها، وتأمل في السياق: ألم يعلم بأن الله يرى؟ واجعل هذا السؤال بين ناظريك، تفز بالمعية، والنصرة والسداد، فمن راقب الله، عالما أن الله يراه حقق التقوى، وبلغ درجة الإحسان، فإن فعلت فسوف توفق لأن تكون في حضرة مولاك قريبا منه، وقد أبعد عنه كثير من خلقه أعرضوا عنه فهانوا عليه، فأبعدهم منه، ولم يستطع أحدهم أن يذل له، أو أن يكون أهلا للدخول في عباده، فاتركهم، وأعرض عنهم، ولا تطعهم، واسجد واقترب.
ألا إن المحروم من حرم في هذا الشهر فلم تزك نفسه، ولم تعتق رقبته، ولم يقبل على مولاه، فلم يقرأ، ولم يسجد، ولم يقترب.
اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام، يا ذا الجلال والإكرام.
عادل الكلباني
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[25 - 08 - 08, 09:08 م]ـ
مادة صوتية رائعة من روائع الشيخ القارئ عادل الكلباني ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=118265&highlight=%C7%E1%DF%E1%C8%C7%E4%ED)
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[25 - 08 - 08, 11:03 م]ـ
بارك الله فيك أبازارع
ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[02 - 09 - 08, 03:42 م]ـ
جزاك الله خيرا يا ابا زارع