والناس – وبالأخص الأئمة والمؤذنون – حول هذه المسألة طرفان ووسط، فقسم يرى وجوب إسماع الناس قراءة القرآن والوعظ والخطب والدروس والمحاضرات بحجة تعليم من بالبيوت وخاصة النساء وأصحاب الأعذار حتى لو تعدى الأمر إلى مسافات بعيدة قد تصل إلى مئات الأمتار في كثير من الأحيان ([1]).
وطرف آخر يرى أن تمنع هذه المكبرات حتى ولو في الأذان بحجة الضرر المترتب نتيجة الاستخدام السيئ لهذه الأجهزة، أو كونهم يرون بدعيتها، وهذا ما كان عليه بعض المشايخ في أول الأمر بحجة أنه لم يفعلها أحد من سلف الأمة ثم اتضح أنها لا تدخل في باب البدعة؛ بل في باب المصالح المرسلة.
والحق في هذه المسألة هو القول الوسط، حيث ينبغي اقتصار هذه المكبرات الخارجية على الأذان فقط ([2])، أما الصلاة ونحوها كالخطب والمواعظ فيقتصر الأمر على الإذاعة الداخلية فقط – وخصوصاً في المساجد المجهزة بهذه التقنية – وذلك لإسماع من بالمسجد لمن يحتاج إليها، والحاجة تقدر بقدرها.
ما المحاذير والأضرار الناتجة عن سوء استخدام مكبرات الصوت؟
أما استخدام هذه الأجهزة (الميكروفونات) في غير الأذان، من إذاعة الصلاة وقراءة الإمام بها، والخطب والمواعظ ففي ذلك عدة محاذير وأضرار، منها:
1 - التشويش الحاصل من بعض المساجد على بعضها الآخر، حتى تلتبس قراءة الإمام وصلاته على المأمومين خلفه، فيركعون مثلاً قبل إمامهم، أو يسجدون مع ذلك الإمام في المسجد القريب، أو لا يحسن لهم الاستماع لقراءة إمامهم، أو لا يحصل لهم الخشوع الواجب في صلاتهم، أو قد يلتبس على البعض دعاؤه حال الصلاة!!
ولا يشك عاقل أن هذه مفسدة وضرر توجب منع موجبها، ثم إن الناس خارج المسجد لا يحتاجون إلى سماع صلاة الإمام ولا تكبيراته، وإنما المصلون الذين بداخل المسجد هم الذين بحاجة إلى ذلك.
2 - ومن هذه المحاذير والأضرار، الإزعاج الحاصل من هذه المكبرات لجيران المسجد من الأطفال ([3]) والمرضى والنساء ([4]) والنيام المعذورين، ومن لديهم أعمال أو استذكار، ومن لا تلزمهم الصلاة مع الجماعة، وبخاصة صلاة النافلة، كالتراويح والقيام في شهر رمضان، أو أنهم قد صلوها من أول الليل، أو أنهم يؤخرونها إلى آخره، أو قد تكون لا تلزمهم تلك الصلاة النافلة، أو قد يكون هناك من لديهم أعمال فيحتاجون إلى النوم مبكراً، أو قد يكون هناك الشيوخ المسنين المضطربين في نومهم، ونحو ذلك.
وعلى هذا فيكون رفع الصوت بالقراءة من خلال الإذاعة الخارجية سبباً في إزعاجهم وإيذائهم بغير حق، واعتداء على حقوقهم، والشريعة سمحة – ولله الحمد والمنة – أتت لإسعاد الناس وليس لشقائهم.
3 - ومن المحاذير والأضرار المترتبة على هذه المكبرات الخارجية، أن كثيراً من المصلين عندما يسمعون أن المسجد القريب منهم قد أقام الصلاة، أو أنهم انصرفوا من صلاتهم، وإمامهم لم يشرع بعد في صلاته، فإنهم حينئذ يأخذون بلومه والتذمر منه، فيحاول بالتالي أن يعجل بهم في الصلاة مخافة لومهم، وقد يقصر في خشوع الصلاة وطمأنينتها، وهذا أمر مشاهد معلوم.
4 - ومن المحاذير كذلك أن في رفع الصوت بالقراءة في الصلاة من بعض الأئمة وعبر هذه المكبرات قد يجلب عليه الرياء والسمعة، فكم سمعنا عن إمام يتفنن في تبليغ قراءته عبر المكبرات، ويحرص على ذلك ما لا يحرص على إقامة الصلاة وخشوعها، فهذا المُخرج لصوته عبر مكبرات الصوت لا ينبغي أن يأمن على نفسه الفتنة، وهو يعلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو يعلم أن نساء الحي وغيرهن يسمعونه، فترى الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والهوى يدعونه للتصنع في القراءة لإطرابهم ليقولوا قارئ حسن الصوت!!! فليعلم هذا وغيره أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: منهم القارئ يقال له قرأت ليقال قارئ فقد قيل، فيكون من أول من تسعر به النار يوم القيامة.
¥