تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقلت: لو كان رهن الموت من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: ("قل إن كنتم تحبون الله"، أي: إن ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبًا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص).

فكيف يدَّعي قوم حُبَّ نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون مأموراته ولا يكفون عن منهياته؟! إن المحب لمن يحب مطيع، والمحب لا يخالف، والمحب مأسور في طاعة من يحب، ألم ترَ المؤمن وهو مؤمن مسجونًا والكافر وهو كافرٌ حرَّا طليقًا؟!، لا يتحرك المحب ولا يسكن إلا بإذن محبوبه، يسعى في مرضاته، وتجده غاديًا ورائحًا لا يهدأ له بال حتى يرضى عنه حبيبه ويبادله الحب، وتجد المحب قلقًا خائفًا ألا يحبه حبيبه، فإذا داهمه الكسل ليوقفه عن السير في تحصيل حب حبيبه خلعه عنه وانتصب لجلب مزيد من الرضى والحب، والمحب لا يقبل أبدًا أن يحب حبيبه أحدًا أكثر منه، فكلما رأى مُلتمِسًا محبة حبيبه تهيأ لسباقه، وتحركت غيرته، وطار النوم من عينيه خوفًا أن يُحَب أحد سواه.

وأولى ما اتُّبع عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسالة التي جاء بها هو وكل الأنبياء من قبله، وهي رسالة التوحيد، تلك الرسالة الخالدة الباقية، والراية المرفوعة دائمًا فوق الأعناق رغم كيد الكائدين من الكفار والمنافقين، فما من رسول جاء إلى الأرض إلا وقال كما جاء في القرآن: " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (هود، 61)، وقال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (النحل، 36).

فلا يُسمى متبعًا ولا يكون محبًّا لله تعالى، ولا للنبي صلى الله عليه وسلم من خالف في أمور التوحيد، فالذين يذهبون لأصحاب القبور ليسألوهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وليطوفوا حول قبورهم، وينذروا لهم، ويستغيثوا بهم ويطلبوا المدد منهم، ويتوسلوا بهم، كل هؤلاء لا يحبون الله سبحانه والنبي صلى الله عليه وسلم محبةً صادقة، والذين يحلفون بغير الله ويُعلقون التمائم ويذهبون إلى الكهان والسحرة، والذين يحكمون بغير ما أنزل الله، والذين يحبون النصارى وسائر الكافرين ويوالونهم، كل أولئك لا يحبون الله ورسوله محبة حقيقية؛ بل هي محبة مزعومة من الممكن أن يدعيها كل أحد؛ لأن الله لا يرضى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بذلك بل نهاهم عن صرف أي عبادة لغير الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم مثلا في الدعاء: "الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ". (رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح)، وكما قال صلى الله عليه وسلم في الذبح: "لعن الله من ذبح لغير الله" (رواه مسلم)، وقال في الحلف بغير الله حتى لو كان بالنبي: "من حلف بغير اللهفقد أشرك" (رواه أبو داود وسكت عنه)، وقال صلى الله عليه وسلم في شأن التمائم: "من علق فقد أشرك" (صحيح الترغيب)، فكيف يكون مُحبًّا لله ولرسوله من خالف الشريعة في أهم شيء جاءت به؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير