تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك يكون الأمر في الابتداع في الدين، فالمبتدع أبعد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيتبرأ منه النبي يوم القيامة، وفي الدنيا عمله حابط مرود عليه؛ لأن الله لا يقبل أي عبادة إلا بشرطين يتوفران فيها، وهما: الإخلاص لله، والاتباع لرسول الله، قال الله تعالى: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا". والابتداع يرجع إلى أسباب ثلاثة: أولها الجهل بمصادر الأحكام بوسائل فهمها من مصادرها، وثانيها اتباع الهوى في الأحكام، وثالثها تحسين الظن بالعقل في الشرعيات. (راجع رسالة: البدعة أسبابها ومضارها، للشيخ محمود شلتوت، بتعليق شيخنا محمد يسري).

فهؤلاء الناس الواقعون في الشركيات والبدع يقدمون دليلا عمليًّا على عدم محبة الله والعياذ بالله، فدليل محبة العبد لله هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم خالفوا النبي ولم يتبعوه، وعدم اتباع النبي من أسباب عدم حب الله للعبد، فهم ينقصون بأيديهم محبة الله لهم، ولا يُستهان بذلك فالمحبة قدرها عظيم.

ولكي تعرف قيمة المحبة ورفعة منزلتها، اقرأ معي الكلام التالي لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، في كلامه على منزلة المحبة، ولكن اقرأ بقلبك فقلما تجد مثله، قال رحمه الله: (المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروَّح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون:

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجي في الأول

أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضى والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح، تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم، وشكروا مولاهم على ما أعطاهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح ... تالله ما هزُلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد، فلم يرضَ لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطالون وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمنًا، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، فتنوع المدعون في الشهود فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه فطولبوا بعدالة البينة بتزكية يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ، فتأخرا أكثر المحبين وقام المجاهدون فقيل لهم إن نفوس المحبين وأموالهمليست لهم، فهلموا إلى بيعة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، فلما عرفوا عظمة المشتري وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأنًا فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي من غير ثبوت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير