ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[28 - 08 - 08, 12:53 ص]ـ
النكتة الحادية عشرة
قال المؤلف حفظه الله: وهكذا في كثير من الأبواب. وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري بقلا ويشترط الخوصة التي يربط بها البقل!! فقال الإمام أحمد: إيش هذه المسائل؟! قيل له: إنه إبراهيم بن أبي نعيم!! فقال: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم فنعم، هذا يشبه ذاك. (فقه الرد/13).
أقول: هذا مثال في الورع، لا علاقة له بالرد على المخالف. وأما سرد طريقة السلف في الأبواب العلمية في التفريق بين الأشخاص لتقرير طريقتهم في الرد على المخالف قياسا عليه ففيه نظر؛ لاختلاف الأبواب والموضوعات فلا يقاس بعضها على بعض مع اختلاف طريقتهم فيها عن طريقتهم في الرد على المخالف.
النكتة الثانية عشرة
قال المؤلف حفظه الله: إذا تقرر أن الموقف العملي يتغير بحسب الشخص أو الطائفة أو المكان، فكذلك نجده يتغير من عصر لآخر، إذ من الخطأ أن يكون التعامل مع المخالفين في هذا العصر كما لو كانوا في زمن الخلفاء الراشدين، أو حتى القرون المفضلة، وليس بخاف أن العلماء – رحمهم الله – يواجهون الانحراف في بداياته مواجهة صارمة، ويغلظون القول في حق أهل الأهواء والبدع، كل ذلك من أجل كبتهم، وإجهاض باطلهم في مهده. وقد حفظت لنا المصنفات كثيرا من مواقفهم ومقالاتهم الصارمة تجاه البدع وأهلها، فضلا عن الأمور الأخرى المستجدة التي يتخوفون من كونها تجلب مفسدة. (فقه الرد/13).
أقول: هذا التعميم والإطلاق فيه نظر، فالتعامل مع المخالف يختلف باختلاف نوع المخالفة، ومنزلة المخالف، والقدرة على التعامل معه بما يستحقه على مخالفته. ولا شك أن هناك مخالفات لو وقعت في هذا العصر فإنه ينبغي أن يشدد في الرد على أصحابها بأكثر مما لوكانوا في زمن الخلفاء الراشدين والقرون المفضلة.
مثال ذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يرى جواز نكاح المتعة، ويفتي به، مخالفا بذلك جمهور الصحابة رضي الله عنهم، فهل إذا جاء أحد ممن ينتسب إلى السنة في هذا العصر فتبنى هذا القول وصار يفتي به، أيكون التعامل معه كالتعامل مع ابن عباس في ذلك العصر؟ لاشك أن التعامل معه أشد؛ لأن فعله أشنع وأقبح وإن كانت صورة المسألة واحدة. وكذلك مخالفة ابن مسعود رضي الله عنه في المصاحف ورفضه الانصياع لأمر عثمان رضي الله عنه في تحريق ماعدا المصاحف التي اعتمدها.
قال النووي: كان مصحفه [يعني ابن مسعود] يخالف مصحف الجمهور، وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر عليه الناس، وأمروه بترك مصحفه وبموافقة مصحف الجمهور، وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره، فامتنع، وقال لأصحابه: "غلوا مصاحفكم" أي اكتموها {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة، وكفى لكم بذلك شرفا ثم قال على سبيل الإنكار: ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته، وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم (شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 16).
فلو خرج أحد في هذا العصر يريد نشر أحد المصاحف المخالفة للمصحف العثماني، واعتماده في القراءة فهل سيكون التعامل معه مثل التعامل مع ابن مسعود رضي الله عنه في ذلك العصر؟ اللهم لا، وإنما سيكون التعامل معه أشد وأنكى.
ومن الأمثلة الواقعة مسألة رضاع الكبير، فعائشة رضي الله عنها كانت ترى ثبوت الحرمة برضاع الرجل البالغ كما تثبت برضاع الطفل، قال النووي: وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن: لا يثبت إلا بإرضاع من له دون سنتين إلا أبا حنيفة فقال: سنتين ونصف، وقال زفر: ثلاث سنين، وعن مالك رواية:سنتين وأيام. (شرح النووي على صحيح مسلم 10/ 30).
¥