تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال عروة بن الزبير: فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كانت تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عليها مِنَ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ من أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عليها مِنَ الرِّجَالِ، وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ الناس وَقُلْنَ: لاَ وَاللهِ ما نَرَى الذي أَمَرَ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلاَّ رُخْصَةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لاَ وَاللهِ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ.

(الموطأ2/ 605).

وفي صحيح مسلم أن أم سلمة رضي الله عنها قالت لعائشة رضي الله عنها: إنه يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الذي ما أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ! وفي رواية له: والله ما تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الْغُلَامُ قد استغني عن الرَّضَاعَةِ.

وفي هذا العصر قال أحد العلماء في مصر برضاع الكبير، وأن للموظفة أن ترضع زميلها في العمل الذي يعمل معها في غرفة واحدة، ليكون محرما لها، ويزول محذور الخلوة بالأجنبية؛ فثار عليه كثير من أهل العلم في العالم الإسلامي وغيره، وردوا عليه بردود كثيرة، هو جدير بها، ومنها ردود قاسية غليظة، فلم يعاملوه بمثل ماعوملت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في عصر الصحابة مع أنها في الأصل مسألة اجتهادية.

النكتة الثالثة عشرة

قال المؤلف حفظه الله: وهكذا ماورد عن كثير من السلف من التشنيع على أصحاب الرأي، والتحذير منهم، والنهي عن مجالستهم، والرواية عنهم، بل الرواية عمن يروي عنهم، كما هو معروف، مما أورده ابن أبي شيبة في المصنف، وعبدالله بن أحمد في السنة، والخطيب في تاريخه، وغيرهم، ولكن ذلك أيضا لم يلبث أن خفت، وصار العلماء يتعاملون معهم بغير ما سبق. (فقه الرد/14).

أقول: لم يذكر المؤلف ماالذي يترتب على هذا فيما يتعلق برد المخالفة، فهل تغير المعاملة يعني ترك رد المخالفة؟ وهل المقصود بما ذكره من تغير المعاملة أن كثيرا من السلف كانوا يردون على مخالفات أصحاب الرأي، ثم تحسنت العلاقة بينهم، فتركوا الرد على ما يصدر عنهم من مخالفات؟!

ولم يذكر المؤلف أمثلة على تغير معاملة العلماء لأصحاب الرأي. ولا يستقيم ماقرره المؤلف هنا إلا إذا كان تغير المعاملة حصل من العلماء السابقين أنفسهم مع أصحاب الرأي الأولين. أما إذا كان تغير المعاملة حصلت من علماء آخرين في عصور أخرى مع آخرين من أصحاب الرأي، فلايصح الاستدلال بهذا على ماأراده المؤلف؛ فقد يكون أصحاب الرأي المتأخرون الذين تغير التعامل معهم قد تغيروا عما كان عليه أسلافهم، فاستوجب ذلك أن يتغير التعامل معهم، فلابد من ذكر أدلة وأمثلة واضحة للقاعدة، ليتبين صوابها، وهذا ما لم يفعله المؤلف حفظه الله.

ولقائل أن يقول أيضا: إن التشنيع على أصحاب الرأي لم ينقطع حتى يومنا هذا، ولا سيما بعد استفحال التعصب للحنفية، وظهور صور له أقبح مما كان موجودا في زمن السلف، ولم نزل نرى صور التعصب للمذهب الحنفي، ورد الحق وتحريف النصوص والوقيعة في علماء الحديث والأثر انتصارا لأبي حنيفة، ويكفي للتمثيل لذلك مافعله الكوثري وأتباعه مما لايخفى، وقد تصدى أهل السنة لهم، وبينوا باطلهم كمافعل العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه العظيم التنكيل، وكما فعل العلامة بكر أبوزيد رحمه الله في كتابه " براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة "، وقد ذكر بعض صور تعصب الحنفية، ومنها أن كتب المصطلح الثلاثة: "الرفع والتكميل"، و"الأجوبة الفاضلة"، و"قواعد في علوم الحديث" التي ألفها علماء الحنفية قد أسست لنصرة أصول مدرسة أهل الرأي "الحنفية" قال الشيخ بكر: ولهذا ترى فيها جورا عن قصد السبيل في مواضع، بصرف تلك النصوص عن وجهها .. وللعصبية هواة، وكم جرت من مهازل. ولا يعلم في المذاهب السنية أعظم تعصبا من الحنفية كما هو محرر في محله لدى أهل العلم. ثم ذكر أن أباغدة – عفا الله عنه- أثقل تلك الكتب بالحواشي التي شدت على هذا الانتصار بتجسيد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير