قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد تنازع العلماء في قيام رمضان هل فعله في المسجد جماعة افضل أم فعله في البيت أفضل؟ على قولين مشهورين هما قولان للشافعي واحمد، وطائفة يرجحون فعلها في المسجد جماعة منهم الليث، وأما مالك وطائفة فيرجحون فعلها في البيت، ويحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، فالمراد بذلك مالم تشرع له الجماعة، وأما ما شرعت له الجماعة كصلاة الكسوف ففعلها في المسجد افضل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة واتفاق العلماء.
قالوا فقيام رمضان انما لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس عليه خشية ان يفرض، وهذا قد أمن بموته، فصار هذا كجمع المصحف وغيره».
منهاج السنة «8/ 308 - 310».
26 - وعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله» متفق عليه.
وهذا الحديث فيه ترغيب اكثر في قيام ليالي العشر الاخيرة من رمضان، وذلك تحريا لليلة القدر، وإعطاء هذا الزمان الفاضل حقه من العبادة والاجتهاد الذي يستحقه، لذلك روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
باب في صيام التطوع
27 - عن أبي قتادة رضي الله عنه: «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة كلها الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية، وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت- أو أنزل علي- فيه» رواه مسلم.
سبق الحديث عن صيام عاشوراء لما تكلمنا عن التدرج في فرض الصوم، وهو يوم كانت تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه. أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا دال على ان صوم عاشوراء مما اتفقت عليه الشرائع، وانه لم ينفرد به اليهود حتى يقال انه متلقى عنهم أصالة، ونذهب نتكلف بعد ذلك في توجيه ذلك كما فعل الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله حيث قال: «فيحتمل والله أعلم انه أوحي اليه- يعني النبي عليه السلام- بصدقهم فيما قالوه من نجاة بني اسرائيل من عدوهم في يوم عاشوراء، وصام موسى عليه الصلاة والسلام ذلك اليوم. أو ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبره بذلك من اسلم من علماء اليهود كابن سلام وأمثاله». اللفظ المكرم بفضل عاشوراء المحرم ص53
فحديث عائشة رضي الله عنها السابق واضح في ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة قبل ان يهاجر الى المدينة ويختلط باليهود، ومع توافق الشرائع في صيام عاشوراء فإنه لابد لنا من قصد مخالفة اليهود، في وصف صوم عاشوراء فنصوم يوما معه قبله أو بعده لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت الى قابل لأصومن تاسوعاء». رواه مسلم.
لذلك كره جماعة من العلماء افراد عاشوراء بالصيام لانه افراد يوم يعظمه غير اهل الإسلام، فكره كافراد النيروز والمهرجان. شرح العمدة لابن تيمية «2/ 584».
وتحدثنا كذلك من قبل ان صيام عاشوراء لم يكن نسخه على تركه البتة، ولكن نسخ فرضه فصار تطوعا.
قال أبوبكر الأثرم في «ناسخ الحديث ومنسوخه»: «وقد روي من اكثر من عشرين وجها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء».
ثم قال: «وهذا عندنا من الناسخ والمنسوخ، وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وكد صومه في أول الأمر قبل نزول شهر الصوم، حتى أمرهم بأن يتموا بقية يومهم، وان كانوا قد اكلوا، وانما يفعل ذلك في الفريضة، ثم جاءت الاحاديث تبين ان ذلك كله كان قبل شهر رمضان، فلما فرض شهر رمضان، كان ما سواه تطوعا». بواسطة شرح العمدة. لابن تيمية2/ 573».
¥