تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فما جرَّني إلا اضطرارٌ رأيته - - - تَخوَّفت كوني إنْ توقفتُ كاتما

فأبْديْتُ من جرَّاه مزجا بضاعتي - - - وأمَّلَّتُ عفواً مِنْ إلهي ومَرْحما

فما خَابَ عبدٌ يستجير بربِّه - - - ألحَّ وأمْسَى طاهر القلب مُسْلِما

وصلَّوا على خير الأنام - - - كذا الآل والأصحاب ما دامت السما

** شرح مجمل لهذا النظم المبارك **

بدأ الناظم رحمه الله تعالى نظمه بحمدِ رَبِّهِ جلَّ جلاله الذي أغناه وأقناه وعَلَّمَه , وجعلَ شُكْرَ العبدِ أَحَدَ الطرق الموصلة للخير.

ثم أهدى بعد حمده صلاةً , ورجا استمرارها على الرِّضا , ويريد به النبي - صلى الله عليه وسلم - , ويُهديها كذلك إلى الصحابةِ والآل؛ وهذا الإهداء لأجلِ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دلَّنا في الوحي - ويريد به القرآن الكريم - والسنن - وهي سنته صلى الله عليه وسلم - إلى الرَّشادِ والطريقَ السليم , والذي كانت ثمرته أنَّ الأغلاف التي على القلبِ الحائرِ زالتْ وسَلِمَ القلب منها!

ثم وجَّه النداء إلى كل من يريد أن يكون في قلبه نوراً وضياءً , أن طريق الحصول عليهما هو في تدبر الوحيين وهما الكتاب والسنة والانقياد لأحكامهما والتسليم لأخبارهما.

وأن عنوان السعادة؛ سعادة المرء في هذه الحياة أنْ يُقبِل على الله تعالى مُعَظِّماً لربه جلَّ جلاله! ومن فَقَدَ هذا فقلبه أحد قلبين إمِّا إنه ميت أو مُصاب بالعِللِ والأمراض المعنوية كالرَّينِ - وهو غلاف غليظ يكون على القلب - أو مصاب بعَمَى القلب!

ودليل ذلك أن الإنسان يعرف أن جوارحه سقيمة , مريضة عندما لا يستطيع أن يحرِّكها فيمنعه شللٌ في يدهِ مثلاً أن يحرِّكها وينتفع بها؛ وقد يكون السقم والمرض لا يمنع الانتفاع؛ لكنه يُقَلِّل من الحصولِ على منفعتها فتصبح يده كما في المثال ثقيلة لا يحركها بسهولة!

وفي المقابل فإنَّ سلامةَ هذه الجوارح وصحتها تُعرف بأنْ ينتفعَ بها الإنسان كاملَ الانتفاع , فاللسانُ مثلاً عندما ينطق به نطقاً سليماً يسيراً , واليدُ عندما يأخذ بها ويَبْطش ويفعل ما يريد بسهولة , ونموُّ هذه الجوارح يدلُّ على سلامتها من العلل , فكذلك القلبُ إذا عَدِمَ نفعه أو قَلَّتْ منفعته فهو مريضٌ عليل!

وأَشدُّ أمراضِ القلب أن يَفْقَدَ قلبك ما أُريدَ به من الإخلاصِ لله تعالى وحُبِّهِ جلَّ جلاله؛ فإذا خَلا قلبك من هذه الأمور فاعلمْ أنه قلبٌ عليلٌ فسارع لدوائه

وأمَّا إنْ وجدتَ قلبكَ على غيرِ هذه الحالة؛ فوجدتَ فيه الشوق إليه, فاعلمْ أنَّ صدقَ ما وجدت يكون عندما تجدْ أنَّ هذا الشوق يدفَعُك إلى الإنابةِ , وتقديم ما يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على محبوبات نفسك ورغباتها , وبهذا تستطيع أن تحكمَ على صدقِ شوقكَ أَمْ زيفه!

فإن كنت ممن يُؤثرُ ما يحب على ما يحبه الله جلَّ جلاله فاعلمْ أنَّ قلبكَ مريضٌ على حافة من الهلاك إمَّا الموت , وإمَّا عَمَى القلب ,

فإنَّ أعظمَ محذورٍ يخفى على الإنسان هو موت القلب وانشغاله بغير علاجه!

وعلامة حصول هذا المحذور أن تكونَ القبائحَ عندك هينة؛ لأنَّ قلبكَ لو كان سليماً لكان عند حصولِ القبائحِ نادماً متألماً.

فجامعُ أمراضِ القلوبِ - والذي كلُّ علةٍ ترجع إليه - هو أن يَتْبَعَ قلبك هواك المخالف للشرع , فمتى ما خالفت هذا الهوى صحَّ قلبك وسَلَمْ!

ومن شؤم وعقوبة هذا الإتِّبَاع أن يتَغَذَّى القلب على شيءٍ لا ينفع , ويترك كذلك الدواء الشافي الذي يُعالج قلبه , ويَصحب ذلك كله العَجْز فهو شرُّ بَلِيَّةٍ يُبْلَى بها المرء!

إنَّ العبدَ إذا كان قلبُهُ صحيحاً ظَهَرَ واتَّضَحَ وبَانَ ارتحاله وسَفَرُه إلى دارِ الآخرةِ يرجو ما بها مُسَلِّماً على هذه الدار الفانية غير عابِهٍ بها , ومِنْ علامةِ صحةِ قلبكَ أنْ تشعرَ أنَّ قلبكَ يخفق ويضرب ويتحرك دوماً نحوَ ربك جلَّ جلاله لا يستقر ولا يطمئن إلا عند

ذكره وفي طاعته , حتى يُهنَّا ويُثْمر ذلك التحريكُ والضربُ الإنابةَ والخضوعَ لربه جلَّ جلاله ونتيجة هذه الثمرة سكونُ القلب وراحته , واطمئنانه ونعيمه الذي لا يمكن أن يتنَّعم بغيره!

ومن علامة صحة قلبك؛ أن تذكر ربك في كل وقت؛ لا يمكن أن يسعدَ ويرى النعيم إلا في هذا الطريق الذي هو طاعة ربه جلَّ جلاله!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير