تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأهلة بين الرؤية والحسابات الفلكية]

ـ[منير عبد الله]ــــــــ[29 - 08 - 08, 06:45 م]ـ

[الأهلة بين الرؤية والحسابات الفلكية]

الشيخ حاتم محمد

في كل عام يتكرر ذات السؤال: هل نتبع الحسابات الفلكية في تحديد بداية شهر الصيام أم نعتمد على رؤية الهلال؟.

في حين أن الشريعة الإسلامية شريعة سمحة رفعت الحرج عن أتباعها، فلما فرضت الصوم في شهر قمري شرعت إثباته بوسيلة طبيعية سهلة ميسورة لجميع الأمة، لا غموض فيها ولا تعقيد رحمةً بها، إذ لم يكلفها الله العمل بالحسابات الفلكية.

والأمر ليس جمود على حرفية النص النبوي، أو عدم ثقةٍ بنتائج هذا العلم أو تنكر له فإنه لا يمكن أن يحدث أي تعارض بين العلم وأحكام التشريع الإسلامي مهما تقدمت الحضارة والكشوف العلمية.

هذا؛ والخلاف القائم حول مسألة الأخذ بالحسابات الفلكية سببه لدى القائلين به من ثلاث فرضيات:

الأولى: أن تلك العلوم الفلكية لم تكن ذائعة الصيت وبالتالي فقواعدها لم تكن قطعية الثبوت ومن ثم نتج عدم ثقة السلف بها وإنكارهم لها بعكس هذا الزمان. وهذا غير صحيح فقد ذكر ابن عبد البر أن ارتقاب منازل القمر:" علم كانت العرب تعرف منه قريبا من علم العجم" (التمهيد (7/ 155)).

ولا شك أن كل طائفة في كل زمن تظن أنها بلغت دقة المنتهى في علمها ثم لا تلبس إلا قليلا فتكتشف ما كانت فيه من قصور؛ وسيتبين لك حقيقة هذا وما كانوا يعتقدون فيه من دقة علم الفلك في العصور المتقدمة من خلال كلام القرفي؛ فتأمله جيدا.

الثانية: وبناء على الفرضية الأولي خالفوا أهل العلم المتقدمين لهم في تأويل قوله صلى عليه وسلم:" فإن غم عليكم فاقدروا له" ولم يقضوا بالمفسر في قوله صلى عليه وسلم: «فأكملوا العدة ثلاثين» [رواه البخاري] على المجمل وإنما تأوله على الحساب؛ وذلك المسلك فيه من الإخلال بقواعد الأصول ما فيه.

الثالثة: اعتبروا أن العلة في ترك العمل بالحسابات الفلكية هي كون الأمة كانت أمية لقوله صلى عليه وسلم: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا ... » [رواه البخاري].

ومادامت أن تلك هي العلة فالحكم يجري مع علته وجودا وعدما فإذا انتفت صفة الأمية عن الأمة وجب الرجوع إلى الحساب بزوال علة منعه.

ومن طالع ما ذكره الإمام القرافي في الفروق يعرف مدى تهافت الفرضية الأولى؛ فيقول رحمه الله تعالي في الفرق الثاني والمائة: " (بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب)، وفيه قولان عندنا وعند الشافعية رحمهم الله تعالى والمشهور في المذهبين عدم اعتبار الحساب فإذا دل حساب تسيير الكواكب على خروج الهلال من الشعاع من جهة علم الهيئة لا يجب الصوم قال: سند من أصحابنا فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع السلف على خلافه.

مع أن حساب الأهلة والكسوفات والخسوفات قطعي فإن الله تعالى أجرى عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب السبعة السيارة على نظام واحد طول الدهر بتقدير العزيز العليم.

قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [سورة يس: 39]، وقال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [سورة الرحمن: 5]، أي هما ذوا حساب فلا ينخرم ذلك أبدا، وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا نجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلا لأجل عادة الله تعالى بذلك وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك، والقطع الحاصل فيه إنما هو لأجل العادة، وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه كأوقات الصلوات فإنه لا غاية بعد حصول القطع".

فانظر كيف يقرر دليل المخالف، وانظر أيضا كيف يحكم بقطعية الحسابات الفلكية في زمنه وكيف ينظر إليها لا كما يدعيه أهل ذلك الزمان عنهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير