[النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس]
ـ[إبراهيم توفيق]ــــــــ[30 - 08 - 08, 12:23 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس]
التقديس:
من القداسة، وهي النقاء والصفاء والطهارة، والتقديس: التنزيه والإجلال والتعظيم. والذين يقدسون النص القرآني، والنص النبوي الثابت هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وتلامذة الصحابة، والتابعين لهم بإحسان. هم أهل السنة والجماعة، أهل الحديث، أهل التوحيد الخالص، والتسليم الكامل. هم الذين لا يقدمون بين يدي الله ورسوله عقلاً، ولا فكراً، ولا وجداناً، ولا واقعاً، بل يحكمون النص القرآني، والحديث النبوي في كل ذلك، ويقدمونهما على كل ذلك.
إن الذين يقدسون النص الشرعي، يأخذونه على ظاهره اللفظي، ومدلوله اللغوي، لا يحرفونه بتأويل، ولا يعطلونه بتهويل، بل يقابلونه بالتعظيم، ويعاملونه بالتسليم ..
ذلك بأنهم يؤمنون بأن النصين القرآني والنبوي واضحا الدلالة، بينا المعنى، يبلغان في الفصاحة والبيان أعلى الدرجات، ويفصحان في أجلى بيان عن مراد الله وحكمته، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ورحمته، وعن دين الإسلام ومنهجه.ولم يكونا أبداً للترميز والتلغيز، وليسا أبداً مفتقرين للتأويل والتخمين.
قال الله تعالى: (الر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير).
وقال تعالى: (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون. بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون).
وقال تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين).
إن مقابلة النصوص الشرعية الإسلامية بتصديق ما جاءت به من الخبر، والتسليم والإذعان لما جاءت به من الأمر والنهي والقدر، لهي الحقيقة الإيمانية الخالصة التي لا يدرك قيمتها ولا يتذوق حلاوتها إلا من كان مؤمناًخالصاً، صادق الإيمان، حاضر اليقين، على منهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم بالإيمان.
- 1 -
أما من لا يملك هذه الحقيقة، فإنه يعامل النص المقدس الموحى به من خالق الإنسان وموجده، ومدبر الأكوان، الذي أحاط علمه وقدرته وحكمته بجميع خلقه، فلا يعجزه شيء ولا تخفى عليه خافية، ولا يخرج عن حكمه وأمره مخلوق في الأرض ولا في السماء، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. من لا يملك هذه الحقيقة الإيمانية، يعامل النصوص الربانية المقدسة، وكأنها قطعة إنشائية، أو قصيدة شعرية، أو قصة أدبية أو مسرحية، ويناقشها على قدر فهمه المادي، وإدراكه البشري أو قل الحيواني. ففهمه قاصر عن إدراك الحقيقة الإيمانية، وعقله هائم في منتوج التراب الأرضي، ووجدانه فارغ من روعة الإيمان ودهشته، ونورانيته وبهجته، وحلاوته ولذته.
إن من يحاول تفسير النصوص الشرعية، بالمناقشات العقلانية المناطقية، أو الحوارات الفكرية الفلسفية، أو الخلجات الوجدانية الذوقية، أو التطبيقات الواقعية المادية، أو يدعى أنه يقرأ النص الشرعي قراءة جديدة عصرانية. كل أولئك إنما يدورون حول أنفسهم، ويجترون أفكار ومقالات من حولهم، كحمار الرحى أو كرحى الحمار، لا يخرج من دائرته، ولا يعي سبب دورانه. وقد شبه القرآن الكريم من كانت هذه حاله بقوله تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين).
فهؤلاء تناولوا التوراة بالتأويل المعنوي والتحريف اللفظي، لأنهم لم يسلموا للنص المقدس بالتصديق والإذعان، بل أولوه وحرفوه بما يناسب أهواءهم، ويحقق رغباتهم وشهواتهم. وهذا هو سرّ الالتواء في جميع المناهج والمذاهب التي تصطدم بالنصوص الشرعية، ولا تسلم لها. فيبدأ أصحابها في الالتفاف على النص، والانحراف عن الطريق، بالتأويل والتحريف، وإخراج النصوص عن مدلولاتها الظاهرة، وقطعها عن سياقها، وتحميلها ما ليس من معناها ولا مرادها.
قال الله تعالى محذراً من ذلك: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
¥