تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في بني إسرائيل: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)، إذن هم عقلوه وعلموه وفهموه، فليس تأويلهم وتحريفهم عن جهل، وبدون قصد، بل بقصد تغيير النص وتبديله، لعدم رغبتهم في التسليم له والإذعان لحكمه، أو كما هو التعبير القرآني، عدم الرغبة في حمله. (حملوا التوراة ثم لم يحملوها)، وقد كشف الله أمرهم وسوء مقصدهم وصنيعهم في قوله تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وأطعنا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع و انظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً).

- 2 -

ومن هذه العقدة الإبليسية (نسبة إلى إبليس)، وهي (عدم التسليم لأمر الله وحكمه) خرجت جميع المذاهب والاتجاهات المنحرفة، وقوبلت النصوص المقدسة بألوان من التأويل والتحريف إما بقياسات عقلية، أو بخطرات وجدانية، أو بفلسفات إلحادية، أو بركون إلى الدنيا وإخلاد إلى واقع الناس.

فكانت هذه الاتجاهات جميعاً تبعاً لإبليس في نزغة التمرد على الأمر الإلهي وعدم التسليم له، ومقابلة الأمر الإلهي بالمناقشات والمجادلات والأهواء لا بالطاعة والإذعان.

قال الله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين).

وسر هذه العقدة الإبليسية المتوارثة في ثلاثة أمور:

1 - الكبر.

2 - الحسد.

3 - عدم الثقة في الحكمة الإلهية التي تدل عليها ظواهر النصوص، سواء كانت أمراً أو نهياً أو خبراً.

وسنورد الأمثلة على ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

التدليس:

من الدلس، وهو الظلمة، والتدليس: التعمية والتضليل، وإغشاء نور الحق بسواد ظلمة الباطل.

والمدلسون هم أهل الأهواء والضلالات، الذين أشربت قلوبهم الأهواء، فابتدعوا لها في الدين من أنواع الضلالات والبدع، ما يبقى على هذه الأهواء ويغري بها الأتباع الذين لا بصيرة لهم، وإنما يساقون في طريق البدعة، وسبل الضلالة، وراء المدلسين المبتدعين، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وأول ما ظهر من الأهواء قول الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد كانوا في جيشه وتحت أمرته، وأنكروا التحكيم، وكفّروا الصحابة وعامة المسلمين، وقالوا بكفر مرتكب الكبيرة، وقاتلوا على ذلك. فكان من تلبيسهم وتدليسهم، أن قالوا إن علياً حكّم الرجال في دين الله، واستشهدوا بقول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وأخذوا قول الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفييء إلى أمر الله)، وأعرضوا عن أول هذه الآية وهي (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). وهكذا تقابل النصوص من أهل الأهواء بالإعراض عن بعضها، والتأويل الباطل لبعضها، تحكّماً في النصوص، وتطويعاً لمدلولاتها على ما يوافق أهواءهم ومراداتهم.

- 3 -

وهكذا تبدأ سلسلة التدليس والتحكّم في نصوص الكتاب والسنة من أهل الأهواء، الذين يستنكفون أن يسلّموا أو يذعنوا، للمعاني الظاهرة البينة، والمقاصد المحكمة الجلية، في الكتاب والسنة، فتظهر الشيعة ببدعتها في القول بالوصية لعلي رضي الله عنه بالخلافة، وسب الصحابة رضي الله عنهم، والقول بالرجعة والغيبة وتأليه الأئمة، ورفض السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع الأحاديث ونسبتها سنداً إلى آل البيت، وتأويل القرآن الكريم بتأويلات باطلة باطنية، خارجة عن مدلولات النص القرآني الظاهرة، فقالوا في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان) أي: علي وفاطمة، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان): الحسن والحسين. وقوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قالوا: عائشة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير