تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لهم سلف من الفلاسفة الملحدين منذ القرن الرابع الهجري، من أمثال ابن سينا والفارالي و (إخوان الصفا) وهم مجموعة إلحادية بثوا في رسائلهم الفلسفية ألواناً من الإلحاد، والدعوة إلى تفسير النصوص الشرعية بما يتلاءم والفلسفات الإلحادية اليونانية، عند إفلاطون و ارسطو، والسفسطات والمجادلات عند سقراط وغيره.

فاستنكفوا أن يذعنوا لأحكام الله ورسوله، وأن يدينوا لعقيدة الإسلام وشريعته، وافتتنوا بالفلسفات اليونانية، فشنوا غارتهم على النصوص والأحكام الشرعية، وسخروا من الالتزام بها والوقوف هند حدودها. وبدأوا يفسرونها بفلسفاتهم، ويشككون في الألوهية، وينكرون البعث والنشور، ويدعون إلى فهم نصوص القرآن والسنة بمقتضى نظرياتهم الفلسفية، ومعتقداتهم الباطنية.

- 5 -

ولكنهم بحمد الله كبتوا في تلك الأزمنة كما كبت الذين من قبلهم، فلم يلتفت إليهم من أهل الإسلام أحد يذكر، ولم تقم لدعوتهم في المسلمين قائمة، ولله الفضل والمنة.

ثم خلف من بعدهم – في عصرنا الحاضر – من هم على شاكلتهم في الزندقة والإلحاد، إلا أنهم فاقوهم في الذلة والهوان، فهؤلاء مع خيانتهم لدينهم، يعملون على تعبيد أمتهم لعدوهم، ونشر ألوان الفساد في مجتمعاتهم، وليسوا بعلماء ولا حكماء بل تلامذة بلهاء، ينقلون عن أساتذتهم الغربيين نقل الببغاء، وينفذون مخططاتهم تنفيذ العبيد البلداء. يمكنون للاستعمار الغربي في بلادهم، ويدعونهم لامتصاص ثرواتهم، ويفرحون بسيطرتهم وتسلطهم على أقوامهم. ومع ذلك فهم يدعون التنوير والتحرير، والتقدم والتطوير، وهم ليسوا والله منها في قليل ولا كثير.

جعلوا همهم مخاصمة النصوص الشرعية، وقضيتهم التمرد على سلطانها، ودعواهم التنوير والتحرير والعصرانية والحداثة، وهم في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).

ينعتون المؤمنين بأنهم ظلاميون، وكذبوا وصدق الله إذ يقول في المؤمنين وفي هؤلاء وأشباههم: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) فالمؤمنون على نور من ربهم يمشون به في الناس يهدون به ويدعون إليه، وخصماؤهم من الكافرين والمنافقين وأتباعهم في ظلمات الكفر والنفاق لا يخرجون منها، حيث (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. صم بكم عمي فهم لا يرجعون).

ينادون بإعادة قراءة النص، فالمسلمون منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لهم قراءة علموا بها القرآن والسنة وعملوا بهما، وأناروا بهما الدنيا، وفتحوا بهما الفتوح، وأظهروا بهما العدل في الناس، وأقاموا بهما دولة الإسلام العظمى التي خفقت بنودها من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب. وهؤلاء الصم البكم العمي لهم قراءة، تناسب حالهم وعاهاتهم الفكرية المستديمة، وعمالتهم الثقافية المتجددة، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).

لما علموا أن الله قد تكفل بحفظ القرآن العظيم، وأن المسلمين من شرق الأرض إلى غربها قد اعتنوا بتلاوته في السطور، وبحفظه في الصدور، وعرفوا أنه لا سبيل لهم إلى تحريف لفظه وتبديل عبارته، نادوا بإعادة تأويله وتفسيره بحسب ما تمليه عليهم أهواؤهم، وما يتفق مع الفلسفات الوجودية الإلحادية، والمخططات الاستعمارية المادية والثقافية، وتعليمات المحافل الماسونية، ومخططات تقويض أركان الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية.

- 6 -

وعللوا ذلك بتطور العلم، والحاجة إلى تجديد قراءة النص بحسب المكتشفات الحديثة، وتغير أوجه الحياة المعاصرة عن ذي قبل.

وادعوا تاريخية النص، بمعنى أن نصوص القرآن والسنة كانت موجهة للناس في فترة تاريخية معينة، أما في هذه الفترة التاريخية المعاصرة فإنها لم تعد ذات قيمة، ولا تناسب الحياة المعاصرة.

ولنسأل هؤلاء الزنادقة الجدد: لماذا لا يصلح أن تؤمنوا بالله وملائكته ورسله وكتبه وقدره واليوم الآخر في هذا العصر؟

لماذا لا يصلح أن تصلوا وتصوموا وتزكوا أموالكم وتحجوا إلى البيت العتيق في هذا العصر؟

لماذا لا يصلح أن تحترموا الأحكام وتقفوا عند الحدود الإلهية في هذا العصر؟

لماذا؟ ما المانع؟ وكل مكتشفات العصر ومخترعاته وعلومه ومختبراته شواهد على وجود الخالق سبحانه، ووحدانيته، وحكمته، وإحاطته. وكل المؤمنين بدين الإسلام يؤمنون بعقيدته، ويعملون بشريعته، ويعتزون بالانتساب إليه، وينعمون بالحياة الإسلامية الطاهرة النقية، وبما فيها من عدل وإحسان. وأمن وإيمان، ومحبة ورحمة. وما فيها من نور وبصيرة بالحياة والموت وبما بعد الموت، ومعرفة بالخالق وقدرته وحكمته ورحمته. والمخلوق وحاجته وسبب خلقه ومنتهى مصيره.

وماذا صنعت النظريات الإلحادية بالإنسان في هذا العصر، وهو يعاني من القهر والفقر، والضياع والانحراف، والكآبة النفسية، والتشرد، والظلم، وويلات الحروب، وتفاقم الطغيان؟

ماذا صنعت النظريات الإلحادية وأصحابها ومعتنقوها هم الذين ملأوا الحياة المعاصرة بالظلم والعدوان، ونشروا فيها الفساد، وقهروا فيها الشعوب والأفراد؟

ألا يستحي هؤلاء من هذه العمالة الخسيسة؟ وهم أبناء أمة عظيمة، ودين عزيز كريم؟

ألا يرون من يدينون لهم بالولاء من الغرب أو الشرق كيف يسعون في بناء أمجادهم؟ وتعظيم أممهم؟ وتفوق أجيالهم؟ وهؤلاء يخدمون أهدافهم، ويذلون لسلطانهم، ويدينون بأفكارهم. فما أهونهم عليهم؟ وما أحقر شأنهم لديهم؟ قال الله تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً).

وكتبه:

أبو حامد

- 7 -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير