تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قولهم: إنه مذهب من ذكر من الصحابة فيجاب عنه بجوابين:-

الأول: أنه معارض بمثله فإنه قد ثبت عن بعضهم النهي عن صيامه قال الشيخ تقي الدين: وقد روي عنهم وعن غيرهم النهي عن صوم يوم الشك والأمر بإكمال العدة. إهـ قلت: وقد روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي سعيد وأنس وأبي هريرة وحذيفة وعمار وعائشة – رضي الله عنهم أجمعين – وقد تقرر في القواعد أن مذهب الصحابي إذا خالف نصاً فإنه ليس بحجة كما قال الناظم:

قول الصحابي حجة فأصغ لي ما لم يأتي دليل معتلي

وقول من سموا من الصحابة – رضي الله عنهم – معارض للدليل الصحيح الصريح القاضي بالنهي عن صيام يوم الشك.

وأما قولهم: نصومه احتياطاً، فيجاب عنه بأن الاحتياط إنما هو في متابعة السنة لا في مخالفتها، بل أقول: إن الاحتياط هو أن لا يصام ذلك اليوم لأن النبي ? نهى عن صومه فالأحوط متابعته، ويقال أيضاً: إن التعليل بالأحوط لا يكون في كل المسائل وإنما يكون فقط في المسائل التي فيها نقطة اتفاق بين أهل العلم ولذلك فإنه قد تقرر في القواعد أن فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن، وهذه المسألة ليس فيها نقطة اتفاق فإننا إذا صمنا أنكر علينا القائلون بالنهي عن صوم الشك وإذا لم نصم أنكر علينا القائلون بوجوب الصوم إذاً فكيف يعلل بالأحوط هنا فضلاً عن أنه احتياط عورض بنهي صحيح صريح ولذلك فإن قاعدة الخروج من الخلاف مستحب لا تدخل إلا في المسائل الخلافية التي فيها جزئية متفق عليها وقد استوفينا شرحها في كتابنا تلقيح الأفهام.

والمقصود أن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة والقواعد هو القول الثاني أعني القول القاضي بالنهي عن صوم هذا اليوم لأن رمضان لا يثبت دخولاً وخروجاً إلا بالرؤية فإن تعذرت فبالإتمام واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية – رحمه الله – والله أعلم.

(المسألة الخامسة) ما الحكم إذا رؤي الهلال في بلد ولم ير في بلد آخر فهل رؤيته في هذا البلد تقضي بوجوب الصوم في سائر بلاد الإسلام أو لا؟ أقول: هذه مسألة خلافيه كبيرة قديمة، والحق فيها إن شاء الله تعالى أنه إذا رؤي الهلال في بلد أنه يلزمهم الصوم ومن اتفق معهم في المطالع، وهو اختيار الشيخ تقي الدين وغيره من المحققين، فإنه قال: تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، فإن اتفقت: أي المطالع لزم الصوم وإلا فلا وهو الأصح للشافعية وقول في مذهب الإمام أحمد إهـ، وقال ابن عبدالبر – رحمه الله –: اجمعوا على أن الرؤية لا تراعى مع البعد كالأندلس من خراسان. إهـ قلت: ويدل على رجحان هذا القول عدة أمور: منها: قوله ?: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإنه قد علق الصوم بالرؤية فإذا رآه أهل بلد صاموا ويلحق بهم من اتفق معهم في المطالع، ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه قال: حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن إيوب وقتيبة وابن حجر، قال: يحي بن يحي (أخبرنا) وقال الآخرون (حدثنا) إسماعيل وهو ابن جعفر عن محمد وهو ابن أبي حرملة عن كريب (أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل عليّ رمضان وأن بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما –، ثم ذكر الهلال، فقال متى رأيتم الهلال فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: لا، لكننا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه، فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله ?) (1) وقال النووي – رحمه الله – في ترجمته لهذا الحديث (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم) وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم) إهـ.

قلت: وتحديد هذا البعد الصحيح فيه إن شاء الله تعالى اعتبار اختلاف المطالع واتفاقها لا بمسافة القصر كما هو وجه عند الشافعية رحمهم الله تعالى. وهذا الحديث نص في محل النزاع والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير