تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(المسألة السادسة) ما الحكم إذا رأى رجل هلال رمضان أو شوال ولم يقبل خبره فهل يصوم ويفطر سراً أو لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ فيه خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله تعالى – والأقرب إن شاء الله تعالى أنه لا يصوم ولا يفطر وحده بل يصوم ويفطر مع الناس وهو رواية في مذهب الإمام أحمد واختاره الشيخ تقي الدين أبو العباس – رحم الله الجميع – فإنه قال: يصوم مع الناس ويفطر معهم وهذا أظهر الأقوال. إهـ ودليل رجحان هذا القول حديث أبي هريرة - ? - قال: قال رسول الله ?: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) (2) رواه الترمذي وقال: حديث غريب حسن، وصححه الألباني – رحم الله الجميع – وللترمذي أيضاً وصححه عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً (الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس) (1) قال شيخ الإسلام قدس الله روحه: إن هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى فإذا لم تعلمون لم يترتب عليه حكم. إهـ وقال الإمام أحمد – رحمه الله –: يصوم ويفطر مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم، وقال: يد الله على الجماعة إهـ وقياس هذه المسألة فيمن رأى هلال النحر وحده فإنه لا يقف إلا مع المسلمين. قال أبو العباس: ما علمت أن أحد قال من رآه – أي هلال النحر – يقف وحده دون سائر الحجاج و أنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحجاج وإنما تنازعوا في الفطر فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا: لا يفطر: إلا مع المسلمين وآخرون قالوا: بل يفطرون كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوماً، ثم قال: وتناقض هذه الأقوال يدل على أن التصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة وحينئذ فشرط كونه هلالاً وشهراً شهرته بين الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عن عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا قوله: (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) إهـ كلامه – رحمه الله – وقوله أقرب إلى الاستدلال الشرعي والاعتبار الصحيح والله أعلم.

(المسألة السابعة) ما الحكم لو رؤي الهلال نهاراً أو لم تقم النية على رؤيته إلا بالنهار؟ أقول: هذا فيه خلاف بين أهل العلم والفضل – رحمهم الله – فالمذهب عند الأصحاب أنهم يمسكون ذلك اليوم ويقضونه، أما وجوب الإمساك فلأنه من خصائص رمضان وأما قضاؤه فلأنهم لم يأتوا فيه بصوم صحيح لعدم تبييت النية ولأن بعضهم يمكن أن يكون قد وقع منه مفسد للصوم من أكل أو شرب أو جماع أو نحوه، لكن الأقرب إن شاء اله تعالى أنه يلزمه الإمساك دون القضاء، وذلك لأن القاعدة المتقررة عند أهل العلم – رحمهم الله – أن التكليف مشروط بالعلم، وهو لم يعلم بالوجوب إلا في أثناء النهار فخوطب بالصوم حين علمه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها واختار هذا القول أبو العباس – رحمه الله – فإنه قال: ويصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل كما إذا شهدت النية بالنهار، وقال: ومن تجدد له صوم بسبب كما إذا قامت البينة بالرؤية أثناء النهار فإنه يتم بقية يومه ولا يلزمه قضاء وإن كان قد أكل وفي الصحيح من حديث سلمه بن الأكوع - ? - قال: (أمر النبي ? رجلاً من أسلم أن أذن في الناس من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم عاشوراء) (1) ووجه الشاهد منه أنه أمر من لم يأكل بإتمام الصوم مع إنشاء النية من النهار والقول الراجح إن شاء الله تعالى أن صوم عاشوراء كان في بدايته فرضاً ثم نسخت فريضته، فمع كونه فرضاً جاز إنشاء النية له من النهار ولم يشترط تبييتها من الليل في حق من لم يعلم بالوجوب إلا في النهار ولم يشترط، وكذلك من كان قد أكل فإنه يتوقف عن الأكل وينشئ نية الصوم، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء مما يدل على أنهم طولبوا بالنية من حين علمهم بالوجوب ولم يضرهم عدم تبييتها من الليل ولم يضرهم أكلهم من النهار الذي كان في علم الله تعالى أنه يجب صومه لكنهم لا يكلفون بإدراك علم الله تعالى وإنما يكلفون بما يعلمون فإنه لا تكليف إلا بعلم وهؤلاء الذين لم تقم عندهم البينة على إثبات دخول الشهر إلا في النهار إنما يطالبون بالنية من حين العلم ولا يضر تقدم مفسد من مفسدات الصوم قبل العلم بالوجوب لأنه قبل العلم به لا تكليف عليه فلا موآخذه عليه وهذا القول هو الذي يتوافق مع روح الشريعة إن شاء الله تعالى ولأن الدليل دل على أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً أنه يتم صومه ولا يضره ذلك لأنه ناسِ مع علمه بأصل الوجوب فما بالك بالذي أكل أو شرب وهو جاهل بالوجوب أصلاً، فلاشك أنه أحق بالعذر من باب أولى وقد تقرر في القواعد أن مفهوم الموافقة الأولوي حجة والله تعالى أعلم وأعلى وبهذا المسألة نختم الكلام على هذا الضابط ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير