تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[01 - 09 - 08, 12:57 ص]ـ

الضابط الثاني

مفسدات الصوم توقيفية

أقول: لقد طرحنا في تلقيح الأفهام أن العبادات المنعقدة بالدليل الشرعي لا تنقض إلا بالدليل الشرعي، وأن العبادات تفتقر إلى دليل في أصل إثباتها وتفتقر إلى الدليل في إثبات صفاتها وشروطها وكذلك تفتقر إلى الدليل في إبطالها، فليس باب إبطال العبادات مفتوحاً لكل أحد يقرر فيه ما يشاء وإنما هو باب توقيفي على الدليل الصحيح الصريح من الكتاب أو السنة الصحيحة أو ما تفرع عنها من الإجماع والقياس المستوفي لأركانه، فمن زعم أن قولاً من الأقوال أو فعلاً من الأفعال مبطل لهذه العبادة فإننا نطالبه بالدليل لأن الأصل عدم الإبطال ومن خالف الأصل فعليه الدليل، لأن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه، ومن هذه العبادات الصيام، فإنه عبادة دل الدليل الشرعي على أن حكمها ينعقد بالإمساك عن المفطرات بالنية من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فحيث انعقد الصوم بالدليل الشرعي فإن الأصل استمرار حكمه وبقاؤه ومن ادعى أن حكمه ينتقض بكذا وكذا فإن قوله هذا موقوف على الدليل الشرعي فإن جاء به فعلى العين والرأس وإن لم يأت به فلا قبول، وليس له حق أن يطالبنا هو بالدليل على عدم الإبطال لأن الأصل معنا ومن كان الأصل معه فإنه لا يطالب بالدليل، وهذا الكلام من تعظيم حرمات الله وشعائره التي هي علامة تقوى القلوب نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل التقوى في الظاهر والباطن والسر والعلانية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإن قلت: فما هي مفسدات الصوم التي دل الدليل الشرعي على أنها مفسدة؟ أقول: إن أهل العلم – رحمهم الله – وأعلى نزلهم في الجنة وغفر لهم ورحم أمواتهم وثبت أحياءهم قد استقرؤا الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح فوجدوا أن هناك من المفسدات ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه اختلافا قد نصر الدليل أحد طرفيه وهناك مفسدات خاضعة للاجتهاد ولا ينكر على المخالف فيها وهي كما يلي:-

منها: الجماع بشرطه الذي سيأتي إن شاء الله تعالى، فإنه من مفسدات الصوم ودليله قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) (1) فدل ذلك على أن الجماع إنما هو حلال في ليلة الصيام فقط وإن تركه عند تبين الخيطين من بعضهما من إتمام الصيام فلا يتم إلا بذلك ولما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - ? -: (أن رجلا جاء إلى النبي ? قال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال وقعت على أهلي وأنا صائم قال: هل تجد رقبة تعتقها قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال: لا، فجلس فأتى النبي ? بعرق من تمر فقال: أين السآئل، قال: ها أناذا يا رسول الله، فقال خذ هذا فتصدق به، قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لا بتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي ? وقال: أطعمه أهلك) (2) وفي الصحيح أيضا من حديث أبي هريرة - ? -: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) (3).

ومنها: الأكل والشرب بشرطه الآتي إن شاء الله تعالى فإنه من مفسدات الصوم بل هو أصل الباب ودليل ذلك الآية المتقدمة فإن فيها: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام – أي ترك الأكل والشرب – إلى الليل) (4) فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى نهاية ثم أمر بالإمساك عنهما إلى نهاية الليل وفي الحديث السابق: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) وقال عليه الصلاة والسلام: (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه) (1) فهذا منطوقه ويفهم منه أنه إن أكل أو شرب عامداً ذاكراً لصومه أن صومه يفسد بهذا وقد تقرر في القواعد أن مفهوم المخالفة حجة، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير