تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ترتبط بغيرها، وكان للأحداث دور في تمييز السّنوات (2) -كحدث الفيل فقالوا "عام الفيل"- والعجيب أن كلّ الأمم كانت تعتبر ميقاتها بالشمس إلاّ العرب كانت تعتبر ميقاتها بالقمر؛ فلمّا جاء الإسلام صحّح وأرشد هذا النظام ليفوق غيره من المواقيت (3).فمن فضل الله علينا أن خصّنا بتوقيت دقيق؛ ولا تعرف أمة لها تاريخ دقيق مضبوط تعرف بدايته وأيامه وأحداثه كأمة الإسلام؛ بخلاف الأمم الأخرى كالأمة النصرانية مثلا فقد وقع تحريف التواريخ من الرهبان في عدّة مرّات، ومَن يُثبِت للنّاس أن عيسى ميلاده كان منذ ألفي عام وثماني سنوات-بحسب تأريخ اليوم-؟، وكذلك اليهود حرّفوا كثيرا من تواريخهم كما حرّفوا الكتب السماوية. ولنفهم حقيقة هذا التميز نحتاج للتدليل عليه و ذلك بمعرفة ابتداء التأريخ الهجري و ظهوره؛ فمتى كانت بداية التأريخ الهجري؟.

كان ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه وذلك أنه رفعت له رُقعة بأجل في شهر من الشّهور وكان ذلك "شعبان"، فقال" أي شهر هو؟ من أي السّنوات هو؟ السّنة التي مضت أم السّنة التي تأتي؟ " فاجتمع مع أهل المشورة واتفقوا على جعل الهجرة النبوية بداية هذا التوقيت، لأنّ الهجرة هي أعظم حدثٍ كان في بداية بناء كيان الأمة الإسلامية وتميّزها ووضع قواعد التشريع وانطلاق دعوة الإسلام إلى الآفاق. لكنّهم لم يجعلوا بداية السّنة الشهر الذي كانت فيه بداية الهجرة "ربيع الأول"، فجعلوا شهر الله "المحرّم" بداية السّنة لأنّ فيه قضاء النّاس مناسك الحجّ ورجوعهم لحياتهم العملية من جديد، فكانت الهجرة هي بداية التأريخ الإسلامي، وسمِّي التأريخ الهجري لذلك. وجعلوا بداية السّنة بمحرّم من الأشهر الحُرُم ونهايتها بذي الحجة وهو من الأشهر الحُرُم كذلك-وكلّها أشهر قمرية كما لا يخفى-.وكما أن الإسلام هو دين الفطرة فكذلك التوقيت القمري كان توقيتا فطريا ونعني بالتوقيت الفِطري استواء الناس في معرفته ولا يحتاج إلى علم خاص لمعرفته وهنا يظهر تميز التوقيت القمري لتتميز أمة الإسلام به. فإذا كان الإسلام دين فطرة لزم ارتباط أحكامه بأنظمة فطرية يستوي في معرفتها العام و الخاص.

وتجدر الإشارة إلى ارتباط بعض العبادات بتوقيت الشّمس لكن ذلك في أمور فطرية كذلك كبزوغ الفجر وزوال الشمس وغروبها وزوال الشفق الأحمر فهذه مواقيت الصلاة يستوي فيها ويعرفها كل من وجبت عليه الصلاة بدون توقّف على الحساب والعلم الخاص وأما باقي المواقيت فقد ربطها بالقمر كما قلنا وهي متعددة لعلنا نتفرغ للحديث عنها في مقالات لاحقة بإذن الله ...

الهوامش:

(1) هناك أسباب عدّة تستدعي السؤال هنا منها:

أ) مجتمع الصحابة كان مجتمعا أميا كما في الحديث "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا". يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. رواه البخاري (1814) و مسلم (1080) من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- و كان علمهم موروثا من القرآن و السنة فقط.

ب) سبب نزول الآية قال القرطبي –رحمه الله-:"هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال معاذ: يا رسول اللّه، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينتقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل اللّه هذه الآية. وقيل: إن سبب نزولها سؤال قوم من المسلمين النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الهلال وما سبب محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس، قاله ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم".اهـ راجع تفسير القرطبي

ج) تعلّق العبادات بالتوقيت القمري فكان سؤالا عما ينفع كما قال ابن عباس –رضي الله عنهما-:"ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة كلهن في القرآن: "يسألونك عن المحيض"، "يسألونك عن الشهر الحرام"، "يسألونك عن اليتامى"، ما كانوا يسألونك إلا عما ينفعهم". قال الحافظ ابن عبد البّر:" ليس في الحديث من الثلاث عشرة مسألة إلا ثلاث".قلت و هذا السبب أهم الأسباب لعلمنا بقلة تكلف الصحابة و قلة المسألة عندهم و تقرير هذا ليس هذا محله. اهـ

(2) و كانت الحروب لها الحظ الأوفر من ذلك فحُفِظت تواريخها بالشعر لولوع العرب بالشعر و هذا تميّز آخر للعرب ليس لسواهم يؤمن معه تحريف التواريخ فتأمل و اعجب!!!.

(3) التفوق ليس عدديا لأن السّنة الشّمسية تفوق السّنة القمرية بأحد عشر يوما وإليه الإشارة وقعت في قوله تعالى في سورة الكهف:) ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعا (فثلاثمائة سنة بتقدير الشمس و ثلاثمائة و تسع سنوات بتقدير القمر؛ إنما التفوق باعتبار التوقيت القمري توقيتا فطريا. فاعتبر الإسلام التوقيت بالسنة القمرية ووحدة الشهر بالهلال كما قال تعالى:) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم (.و هذه الآية فيها تميّز العرب والمسلمين وفضلهم وأن التوقيت القمري يعرفه الخاص والعام وسهلٌ تقديره بخلاف منازل الشّمس ورصد حركاتها فلا يعرفه إلا خوّاص الناس.اهـ

الجزء الثاني من البحث من هنا ( http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1754)

http://www.merathdz.com/upload/aln3esa-1220039042.gif (http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1751)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير