قال: و أما ولد ارم بن سام بن نوح فإنهم احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من القوة والبَطْش واللسانِ العَرَبي، وكانوَا سبعة إخوة، وهم: عاد - وكانَ أعَظمَهُم قوَةِ وبطشاً -، وثموَد، وصحار، ووبار، وطسم، وجديس، وجاسِم، وهؤلاء كلهم تفرقوا بجزيرةِ العرب، وهم العربُ السالفة الأولى الذينَ انقرض غَالبُهُم.
قال: وقد فَهَمَ الله العربيةَ لِعمْلِيق، وََطَسْم، وعاد، وعبيل، وثمود، وجَدِيس.
وقال صاحب (تاريخ الملوك التبابعة وملوك حِمْيَر": إنَ هُوداً - عليه السلام - بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوَح هو أبوَ العرب العاربة. وإنَّ ابنَهُ قحطان هوَ ولي عهده قد لزم طريقتَهُ، واقتدى بها وأن يعْرُبَ بنَ قحطان بن هود هوَ أول مَنْ ألْهمَهُ الله -تعالى- العربيةَ المحْضَةَ، وَقَالَ فَأبْلغَ، وَاخْتصَرَ فَأوْجزَ، وأشتقَّ اسم العربية من اسمه. وأنَّ يشجب بن يعرب قام مقامَهُ في النهي والأمر وحاز اليمن والحجاز، وأنَ سبأ بنَ يشجب كان ملكاً عظيماً، وهو أولُ مَنْ سبَى السَبي. غزا ملوَك بابل وفارس والروم والشام حتى أتى المغرب، ثمَّ رجع إلى اليمن فبنى السَّدَ الذي ذكرَهُ الله -تعالى- و اسمه العَرِم، وقسم المُلْكَ بين ولديه حمير وكهلانِ.
آدم - عليه السلام - هو أول مَنْ تكلَّم بالعربيةِ. بل بالألسنة كلِّها بجميع لُغاتِها، وعلَّمَها أولادَهُ، فَلما افترقوا في البلادِ وكثروا اقتصرَ كلُ قوَمٍ على لغة. وأنً مَنْ كانِ يتكلمُ بالعربيةِ من بني آدم قبل الطوَفان فهَم العرَبُ، أو أن العُرْبَ والعُجْمَ والرُّومَ والتُركَ والحبَشَ أوصاف حادثة بعد الطوَفانَّ، وأنَّهُ كانت للنَّاس أوصافٌ وأجناس أُخر قبل الطوفان نُسخَتْ ونُسيَتْ، فإن الطُوَفان عم أهْلَ الأرض جميعاً بحيثُ لم يبقَ على وجهِ الأرضِ أحدٌ.
ونوح - عليه السلام - هو الأبُ الثاني للبشر قال تعالى: (وَجَعَلنَا ذُريَّتَهُ هُمُ البَاقِين) ثم تناسلوا وكثروا وتكلموَا باللغات كلها إما بإلهام من الله -تعالى - كما مر، أو بتلقيها من نوح - عليه السلام -، وتلقاها أولاده عنه، هذا محل تردد، ولم أر في ذلك نقلاً. والأقرب تلقيها من نوح - عليه السلام - فإنَ اللغة لا يحيط بها إلا ملك أو نبي.
الأعراب في الأصل اسم لسكان بادية أرض العرب، فإن كل أمةٍ لها حاضرة وباديةٌ، فباديةُ العرب الأعراب، وبادية الروم الأرمن، وبادية الترك التركمان، وبادية الفرس الأكراد.
وأرض العرب هي: جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم شرقي مصر إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر باليمن إلى أوائل الشام.
وقال أبو عبيد: جزيرة العرب من عدن إلى ريف العراق طولاً، ومن تهامة - بكسر التاء - إلى ما وراءها، إلى أطراف الشام. وسميت جزيرة لأن بحر فارس، وبحر الحبش، ودجلة والفُرات قد أحاطت بها.
الشافعيّةُ، فقالوا: إنَّ العَرَبَ طَبَقَات، فلا يكافئ غير قُرَشي مِنَ العَرَب قُرَشِيَّة، وليس القُرَشي كُفْءاً للهاشِمِيَّةِ، للحديث السابق:) إِنَّ الله اصْطَفَى (إلَى آخره.
قالوَا: وأولادُ فَاطِمَةَ -عليها السلام- لا يكافؤهم غيرهم من بقيةِ بني هَاشِمٍ، لأنَ مِنْ خَصَائِصِهِ -عليه السلام- أن أولادَ بناتِهِ يُنْسَبُنَ إليهِْ قالوا: وكذا باقي الأمم فلا يكوَنُ مَنْ ليسَ مِنْ بني إسرائيل كفءاً لإِسرائيلية.
ومذهبُ الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: أنَّ جميعَ العَرَب أكفاء لبعضِهِمْ، كما أنَّ جَميعَ العجم أكْفَاء لبعضِهِمْ، واعْتُبِر النَسَبُ في الكَفَاءةِ لأن العَرَبَ تَفْتَخِرُ بِهِ.
فضل العرب ورد بالنقل و العقل:
أما النقل: فانظره في مظانه.
و أما العقل: فقد ثبتَ بالتَوَاتُرِ المَحْسُوسِ المُشَاهَدِ أنَّ العَرَبَ أكْثَرُ النَاس لسَخَاءً، وَكَرَماً، وَشَجَاعَةً، ومروءةً، وَشَهَامةً، وبلاغةً، وفَصَاحَةً. وِلساَنُهم أَتُم الألْسِنَةِ بياناً، وَتَمْييزاً للمعاني جمعاً وفَرْقاً بجمعِ المعاني الكثيرةِِ في اللَّفْظِ القَليلِ، إذا شاء المتكلِّمُ الجَمْعِ. ويميّزُ بين كلِّ لفظين مشتبهين بلفظٍ آخر مختصرٍ، إلى غيرِ ذَلكَ من خَصَائِصِ اللَسانِ العربيِّ.
ومَنْ كان كذلكَ فالعقلُ قَاضٍ بفضلهِ قَطْعَاً على مَنْ ليسَ كذلكَ، ولهم مكارمُ أخْلاَقٍ مَحموَدة لا تَنْحَصِرُ، غريزةٌِ في أنفسهم، وَسَجِيَّة لهم جُبلُوا عليها.
¥