-العمرة: ومن النّفحات الّتي يُدعى المسلم إلى أن يتعرّض لها عمرةٌ في رمضان، فقد روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: ((مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا)) قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ، وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ. قَالَ: ((فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي)) .. فهنيئا لك أيّها المسلم بحجّة مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
-الإكثار من الدّعاء والاستغفار: يقول الله تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186] .. ابحث عن موقع هذه الآية من القرآن، تجدها بعد آية الصّيام، وذلك ليدلّنا المولى أنّ أيّام هذا الشّهر الكريم أيّام دعاء واستغفار، فإن غفلت عن الدّعاء فلا تغفلنّ عن وقت الإفطار والأسحار، أمّا وقت الإفطار فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ للصّائم عند فطره دعوة لا تردّ)). وأمّا وقت الأسحار فلأنّ المولى أقرب ما يكون من عبده وقت السّحر، فينزل إلى السّماء الدّنيا فينادي: ((هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له))، وقوله عزّ وجلّ: ((وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)).
الوصيّة الثّالثة: تذكّر حقيقة الصّيام والقيام .. وصيّة نبويّة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .. روى البخاري ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((قَالَ اللَّهُ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)) ..
لا يرفُث: أي: لا يقل الكلام البذيء الفاحش القبيح .. ولا يصخب: لا يرفع صوته ويصيح .. وأين رفع الصّوت بجانب منكرات كثيرة قد يراولها الصّائم: كالنّظر الحرام إلى النّساء الكاسيات العاريات .. والعارضات والممثّلات .. كسماع المغنّين والمغنّيات .. كاللّهو بالنّرد والورق .. أترضى أن يعود النّاس بالثّواب والأجور، ثمّ تعود بالويل والثّبور .. أما تخشى أن تدخل تحت وعيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القائل: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ والعطش، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ)).
الوصيّة الرّابعة: احذر قطّاع الطّريق:
أرى لزاما عليّ أن أذكّرك ونحن بين يدي شهر الخيرات وموسم الطّاعات، أنّ في البشر كثيرا من قطّاع الطّرق، يصدّون الخلق عن خالقهم، ويضلّونهم عن سبيل رشادهم وهدايتهم .. يمكنك أن تشبّههم بأي شيء، شبّههم بأنّهم خلفاء للّذين صفِّدوا من الشّياطين، إلاّ أنّ هؤلاء من ماء وطين .. شبّههم بأصحاب الأخدود الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات عن صراط الرّحيم الودود .. لا نزال نراهم في الصّحف والمجلاّت .. في الشّوارع والطّرقات .. في الإذاعات والشّاشات .. يعدون ويبشّرون، ويدعون النّاس إلى قضاء أتعس الأوقات، والتنجّس بمتابعة السّهرات والحفلات .. والعجيب أن تنطلي هذه الإغراءات على أغلب الفئات ..
عباد الله .. إنّنا لسنا أمّة تحرّكها النّكت والتّسلية .. وتخسر سبل الجنّة لأجل الضّحك والسّخرية .. وحياتنا أغلى بكثير من أن نتركها بأيدي الحمقى والمهرّجين .. واسمحوا لي أن أقول: أنا لا أستغرب أن يتابع مثل هذا الهراء شاب في مقتبل العمر، أو فتاة في ريعان شبابها، ولكنّ الأسف يملأ القلب، ويزيد لهب الكرب إذا علمت أنّ ذلك صار حديث الرّجال الكُمّل العقلاء من النّاس ..
يعرض عليهم ربّهم أعظم سلعة وبضاعة، ويدعوهم إلى اغتنام سبل الشفاعة .. يعرض عليهم العمل في شهر لا كالشّهور، الذّنب فيه مغفور .. ولكنّهم آثروا سلعة غيره، وحرموا أنفسهم من خيره .. استبدلوا سبل الفلاح والمفاز .. باللهو واللّغو في التّلفاز .. استبدلوا سبل الخيرات بالقنوات والمقعّرات ..
إنّهم استجابوا لمن قال تعالى فيهم: ((أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) [البقرة: من الآية221].
أخي الكريم .. هذه وصايا أسأل الله أن تصل إلى قلبك، فمدّ يديك إلى ربّك .. وتب إليه واستغفر لذنبك .. وأخرج نفسك من زمرة المرضى وقل معي: ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّي لِتَرْضَى)) ..
يا زارع الخير تحصد بعده ثمرا يا زارع الشّر موقوف على الوهن
يا نفس ويحك توبي واعملي حسنا عسى تجازين بعد الموت بالحسن
اللهمّ فاقبل توبتنا، واستجب دعاءنا، وارحم شبابنا، وأقم لنا عسرتنا، ولا تفضحني بالذي قد كان منّا، اللهم لا تفضحنا بالذي كان منّا .. اللهم استر علينا عيوبنا، اللهم ارحمنا برحمتك واجعلنا من الفائزين برمضان واجعلنا ممن قام رمضان إيمانا واحتسابا فغفرت له ما تقدم من ذنبه اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا وغفرت له ما تقدم من ذنبه اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله ألا أنت نستغفرك ونتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثير