تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن الجوزي: [واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل العقل وجهل بالشرع، ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له وقال: نويت أن أنتصب قائماً تعظيماً لدخول هذا العالم لأجل علمه مقبلاً عليه بوجهي، سفه في عقله فإن هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم، فقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمان نظم هذه الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض، وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال،

ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية] (2).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين، أما في الدين فلأنه بدعة وأما في العقل فلأنه بمنزلة من يريد يأكل طعاماً فيقول: نويت بوضع يدي في هذا الإناء أني أريد آخذ منه لقمة فأضعها في فمي فأمضغها ثم ابلعها لأشبع. مثل القائل الذي يقول: نويت أصلي فريضة هذه الصلاة المفروضة علي حاضر الوقت أربع ركعات في جماعة أداء لله تعالى، فهذا كله حمق وجهل وذلك أن النية بليغ العلم، فمتى علم العبد ما يفعله كان قد نواه ضرورة، فلا يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بلا نية ولا يمكن مع عدم العلم أن تحصل نية.

وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاد ذلك فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديباً يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وإذاء الناس برفع صوته لأنه قد جاء الحديث: (أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض بالقراءة) فكيف حال من يشوش على الناس بكلامه بغير قراءة؟ بل يقول: نويت أصلي، أصلي فريضة كذا وكذا، في وقت كذا وكذا من الأفعال التي لم يشرعها رسول الله e ] (1).

وقال ابن الحاج: [وما تقدم من أن النية لا يجهر بها فهو عام في الإمام والمأموم والفذ فالجهر بها بدعة على كل حال إذ أنه لم يرو أن النبي e ولا الخلفاء ولا الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين جهروا بها فلم يبق إلا أن يكون الجهر بها بدعة] (2).

وهذا الحكم وهو عدم جواز التلفظ بالنية وأنه بدعة يعم جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصيام والاعتكاف والحج وغيرها.

المسألة الثانية: طلب الإمام من المأمومين أن يستحضروا النية:

اعتاد كثير من أئمة المساجد بعد إقامة الصلاة وقبل أن يكبروا تكبيرة الإحرام أن يقولوا للمصلين استحضروا النية.

وهذا الأمر باستحضار النية بدعة مخالفة لهدي الرسول e وما فعله e ولا أحد من أصحابه.

والنية تكون في قلب الإنسان حاضرة ولا تحتاج إلى استحضار فهي حاصلة في قلبه وتحصيل الحاصل محال.

فالمصلون حينما تقام الصلاة ويقفون في الصفوف ويسمعون الإمام يأمر بتسوية الصفوف لا شك أن نياتهم حاصلة في قلوبهم فهم يوقنون أنهم سيصلون تلك الصلاة التي أقيمت فمن العبث أن يقال لهم استحضروا النية كما أنه من العبث أن يقال لمن وضع الطعام أمامه ليأكل قيل له استحضر نية الأكل فهذه النية موجودة في القلب ويستقبح القول باستحضارها لأنها حاضرة.

ويضاف إلى ذلك أنه لم ينقل عن النبي e أنه أمر الصحابة باستحضار النية وكان e يؤمهم في كل يوم خمس مرات وصلى بهم إماماً آلاف الصلوات فلو وقع ذلك منه e لنقله لنا الصحابة كما نقلوا لنا دقائق الأمور في صفة صلاته وغيرها من الأعمال والثابت أن الرسول e كان يأمر بتسوية الصفوف ثم يكبر تكبيرة الإحرام وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها:

1. عن أنس t قال: (كان رسول الله e يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول، تراصوا واعتدلوا) رواه البخاري ومسلم (1).

2. عن النعمان بن بشير قال: (كان رسول الله e يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: عباد الله لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله وجوهكم) رواه مسلم (1).

3. وفي رواية أخرى عن النعمان قال: (كان رسول الله e يسوي يعني صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني صحيح (2).

ومثل ذلك ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فقد روى مالك بإسناده عن نافع أن عمر ابن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاؤوه فأخبروه أن قد استوت كبر.

وروى مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه انه قال: [كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف ثم كبر] (3).

فهذه الأحاديث عن رسول الله e والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في صفة ما كانوا يفعلون قبل تكبيرة الإحرام من تسوية الصفوف والأمر بها ثم تكبيرة الإحرام ولم ينقل أنهم كانوا يقولون للمصلين استحضروا النية. وهذا واضح الدلالة لكل منصف أن هذا القول بدعة ينبغي تركها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير