وهذا كذب ودجل بلا خجل ولا يصدقه إلا من في عقله خبل.
قال الشيخ علي محفوظ بعد أن ذكر هذه الخرافة: [وهذا من الأكاذيب المشهورة ولا أصل له في الدين] (1).
6. ومن الخرافات أيضاً ما نقله الشيخ عبد الغني النابلسي عن عطاء قال: [وكانت صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلاً ويقال إنه ليس بينها وبين السماء إلا ثمانية عشر ميلاً وكان أهل أريحا يستظلون بظلها وكان عليها ياقوتة تغزل نساء البلقان على ضوئها بالليل. قال: ولم تزل كذلك حتى غلبت عليها الروم بعد أن خربها بختنصر] (2).
وهذا عين الكذب والإفتراء المحض. وغير ذلك من الخرافات والأحاديث الباطلة.
وقد شاعت هذه الأحاديث والأقاويل بين عامة الناس وعند من كتبوا في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى مما أثر في نفوس العامة فصاروا يتمسحون بالصخرة أو يقبلونها ويقدسونها وكل ذلك من البدع المنكرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فصخرة ببيت المقدس لا يسن استلامها ولا تقبيلها باتفاق المسلمين بل ليس للصلاة عندها والدعاء خصوصية على سائر بقاع المسجد والصلاة والدعاء في قبلة المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين أفضل من الصلاة والدعاء عندها] (3).
ومن المعلوم عند العلماء المحققين أنه لا يشرع تقبيل أي شيء من الجمادات إلا الحجر الأسود لما ثبت في الصحيحين أن عمر t قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله e يقبلك ما قبلتك) (4).
وقد سبق أنه لم يثبت شيء في فضل الصخرة على وجه الخصوص وإنما الثابت ما ورد في فضائل المسجد الأقصى فمن ذلك:
قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (1).
عن أبي هريرة t أن النبي قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول e ومسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم (2).
وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك:
1. عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله e :( الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي (3). ورواه البزار وقال إسناده حسن (4).
وذكر المنذري الحديث وقال رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه وذكر أن البزار قال: إسناده حسن، وعقب المنذر على ذلك بقوله: كذا قال (5).
والذي يظهر من كلام الشيخ الألباني على الحديث أنه يميل إلى تضعيفه (1). وقال الشيخ صالح آل الشيخ: [وتحسين إسناده عندي مشكل لأن سعيد بن بشير ليس ممن يحتج بحديثه وقد تفرد به] (2).
وقال د. صالح الرفاعي: [والخلاصة أن حديث أبي الدرداء حديث حسن إلا قوله: (وفي مسجد بيت المقدس خمسمئة صلاة) فإن هذه الجملة ضعيفة] (3).
2. وعن ميمونة مولاة النبي e قالت: (قلت يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس. قال: أرض المحشر والمنشر إئتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره. قلت أرأيت إن لم نستطع أن أتحمل إليه! قال: فتهدي له زيتاً يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه) رواه ابن ماجة وأحمد والطبراني وغيرهم قال الذهبي: هذا حديث منكر جداً (4).
وتراجع الشيخ الألباني عن تصحيح هذا الحديث حيث كان قد صححه في فضائل الشام ثم قال: [ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في صحته] (5).
وقال الشيخ الألباني في موضع آخر: [وأما حديث إن الصلاة في بيت المقدس بألف صلاة فهو حديث منكر كما قال الذهبي ... ] (6).
3. وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله e ( صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف (1). وقال العلامة ابن القيم: [وهو حديث مضطرب " إن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة " وهذا محال لأن مسجد رسول الله e أفضل منه والصلاة فيه تفضل على غيره بألف صلاة] (2).
وقال الذهبي [هذا منكر جداً] (3).
4. وعن أبي ذر t قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله e أيهما أفضل أمسجد رسول الله e أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله e : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه ببيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي (4). وقال الهيثمي: [رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح] (5). وصححه الشيخ الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى (6).
وقال د. صالح الرفاعي: [والحديث في إسناده قتادة وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث ... فيخشى أن يكون دلسه لا سيما أن في متنه غرابة كما قال المنذري فالحديث ضعيف الإسناد ولأن قتادة لم يصرح بالتحديث] (1).
وقد بين الشيخ الألباني أن للحديث طريقان آخران فلذا صححه (2).
وقد وردت أحاديث أخرى ضعيفة في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى (3).
والذي يظهر لي أن أحسنها حالاً الحديث الأخير حديث أبي ذر ثم الحديث الأول وهو حديث أبي الدرداء وقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... وأما في المسجد الأقصى فقد روي أنها بخمسين صلاة وقيل بخمسمائة صلاة وهو الأشبه] (4).
وقال ابن القيم: [وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمسمائة وهو أشبه] (5).
¥