[فائدة نفيسة جدا من كلام العلامة المعلمي اليماني رحمه الله]
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[04 - 09 - 08, 02:35 ص]ـ
الدين على درجات: كف عما نهي عنه، و عمل ما أمر به، و اعتراف بالحق، و اعتقاد له و علم به.
و مخالفة الهوى للحق في الكف واضحة، فان عامة ما نهي عنه شهوات و مستلذات، و قدلا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لذاته، و لكنه يشتهيه لعارض.
و مخالفة الهوى للحقفي الاعتراف بالحق من وجوه:
الأول: أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل، فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه و معلمه على أنه حق فيكون عليه مدة،ثم إذا تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف بذلك، و هكذا إذا كان آباؤه أو أجاده أومتبعوه على شيء، ثم تبين له بطلانه، و ذلك أنه يرى أن نقصهم مستلزم لنقصه،فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه، حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا إذاوقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف على أم المؤمنين عائشة و غيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة، لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها، فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت و أن من خالفها من الرجال أخطأوا، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال، فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقاً، فينا لها حظ من ذلك، و بهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي، و الفارسي للفارسي، و التركي للتركي، و غير ذلك. حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري!.
الوجه الثاني: أن يكون قد صار في الباطل جاه وشهرة و معيشة، فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد.
الوجه الثالث: الكبر، يكون الإنسان على جهالةأو باطل، فيجيء آخر فيبين له الحجة، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنهناقص، و أن ذلك الرجل هو الذي هداه، و لهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشقعليه الإعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه و نظره، و يشق عليه ذلك إذا كانغيره هو الذي بين له.
الوجه الرابع: الحسد و ذلك إذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل و العلم و الإصابة، فيعظم ذلك في عيون الناس، و لعله يتبعه كثير منهم، و إنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئه غيره من العلماء و لو بالباطل، حسداً منه لهم، و محاولة لحط منزلتهم عند الناس.
ومخالفة الهوى للحق في العلم و الإعتقاد قد تكون لمشقة تحصيلية، فإنه يحتاج إلى البحث و النظر، و في ذلك مشقة و يحتاج إلى سؤال العلماء و الإستفادة منهم و في ذلك ما مر في الاعتراف و يحتاج إلى لزوم التقوى طلباً للتوفيق و الهدى و في ذلك ما فيه من المشقة.
و قد تكون لكراهية العلم والإعتقاد نفسه و ذلك من جهات، الأول ما تقدم في الاعتراف فأنه كما يشق على الإنسانأن يعترف ببعض ما قد تبين له، فكذلك يشق عليه أن يتبين بطلان دينه، أو اعتقاده،أو مذهبه، أو رأيه الذي نشأ عليه، و اعتر به، و دعا إليه، و ذهب عنه، أو بطلانما كان عليه آباؤه و أجداده و أشياخه، و لا سيما عندما يلاحظ أنه أن تبين له ذلكتبين أن الذين يطريهم و يعظمهم، و يثنى عليهم بأنهم أهل الحق و الإيمان و الهدى والعلم و التحقيق، هم على خلاف ذلك، و إن الذين يحقرهم و يذمهم و يسخر منهم وينسبهم إلى الجهل و الضلال و الكفر هم المحقون، و حسبك ما قصه الله عز و جل من قول المشركين، قال تعالى: [وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَالْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]
(الأنفال: 32)
فتجد ذا الهوى كلما عرض عليه دليل لمخالفيه أو ما يوهن دليلاً لأصحابه شق عليه ذلك و أضطرب و أغتاظ و سارع إلى الشغب، فيقول في دليل مخالفيه: هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات، و هذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ و الضلال….، و يؤكد ذلك بالثناء على مذهبه وأشياخه و يعدد المشاهير منهم و يطريهم بالألفاظ الفخمة، و الألفاظ الضخمة، و يذكرما قيل في مناقبهم و مثالب مخالفيهم، و إن كان يعلم أنه لا يصح، أو أنه باطل!
¥