تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يريد و الله أعلم أن كراهيتكم للحق و هواكم أن لا يكونما أدعوكم إليه حقاً يحول بينكم و بين أن يحصل لكم العلم و اليقيين بصحته، و في (تفسير ابن جرير) 12/ 17 عن قتادة قال: ((أما و الله لو استطاع نبي الله صلى الله عليه و سلم لألزمها قومه و لكن لم يملك ذلك، و لم يملكه)).

و الرسول لا يحرص على ظان يكره قومه إكراهاً عادياً على إظهار قبول الدين، فإنه يعلم أن هذا لا ينفعهم بل لعله أن يكون أضر عليهم، و إنما يحرص على أن يقبلوه مختارين، و لذلك يحرص هو وأصحابه على أن يظهر الله تعالى الآيات على يده أملاً أن يحصل للكفار العلم إذا رأوها فيقبلوا الدين مختارين، و يزداد الحرص على هذا عندما يطالب الكفار بالآيات،و هذه كانت حال محمد صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه، فبين الله تعالى لهم فيعدة آيات أنه ليس على الرسول إلا البلاغ، و أن الهداية بيد الله، و أن ما أوتيه من الآيات كاف لأن يؤمن من في قلبه خير، و أن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً، لكن حكمته إنما إقتضت أن يهدي من أناب بأن كان يحب الهدى، و يؤثره على الهوى.

فأما من كره الحق و استسلم للهوى، فإنما يستحق أن يزيد الله تعالى ضلالاً، قال الله عز و جل [وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ] إلى أن قال: [وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً] الرعد – 31. ([3])

و قال تعالى: [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ]. الأنعام: 109 - 110

و قال تعالى: [اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ] الشورى – 13.

وقال سبحانه: [هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ] المؤمن: 13.

وقال تعالى: [وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراًقَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً] ([5]) الاسراء: 101 – 102.

وقال تعالى: [فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ. فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً]. النمل:12 – 14.

فلما تبين لموسى و هارون أن فرعون و قومه قد استحكم كفرهم انتهى مقتضى الحرص على أن يهتدوا، و اقتضى حبهما للحق أن يحبا أن لا يهديهما الله، قال الله تعالى: [وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ. قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لايَعْلَمُونَ] يونس: 88 - 89.

وفي القرآن آيات كثيرة في أن الله تعالى لا يهدي الكافرين، و المراد بهم من استحكم كفرهم و ليس كالكافر كذلك، فقد روى هدى الله تعالى و يهدي من لا يحصى من الكفار، و إنما الحق أنلا يهدي الله تعالى من استكم كفره.

من كتاب القائد إلى تصحيح العقائد

للعلامة ذهبي العصر عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير