تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلمات رائقة عن صوم رمضان للعلامة الأديب البشير الإبراهيمي]

ـ[فريد المرادي]ــــــــ[15 - 09 - 08, 02:23 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

’’ كلمات رائقة عن صوم رمضان للعلامة الأديب البشير الإبراهيمي ‘‘

قال العلامة السلفي والأديب الألمعي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري - رحمه الله -:

(صوم رمضان محك للإرادات النفسية، وقمع للشهوات الجسمية، ورمز للتعبد في صورته العليا، ورياضة شاقة على هجر اللذائذ والطيبات، وتدريب منظّم على حمل المكروه من جوع وعطش وسكوت، ودرس مفيد في سياسة المرء لنفسه، وتحكُّمه في أهوائها، وضبطه بالجد لنوازع الهزل واللغو والعبث فيها، وتربية عملية لخُلق الرحمة بالعاجز المعدم؛ فلولا الصوم لما ذاق الأغنياء الواجدون ألم الجوع، ولما تصوَّروا ما يفعله الجوع بالجائعين؛ وفي الإدراكات النفسية جوانب لا يُغني فيها السماع عن الوجدان، ومنها هذا؛ فلو أن جائعا ظلّ وبات على الطوى خمسا، ووقف خمسا أخرى يصور للأغنياء البطان ما فعل الجوع بأمعائه وأعصابه، وكان حالُه أبلغ في التعبير من مقاله، لَما بلغ في التأثير فيهم ما تبلغه جوعة واحدة في نفس غني مترف.

لذلك كان نبيّنا إمام الأنبياء، وسيّد الحكماء، أجود ما يكون في رمضان.

ورمضان نفحة إلهية تهُبّ على العالم الأرضي في كل عام قمريّ مرة، وصفحة سماوية تتجلّى على أهل هذه الأرض فتجلو لهم من صفات الله عطفه وبرّه، ومن لطائف الإسلام حكمته وسرّه؛ فينظر المسلمون أين حظهم من تلك النفحة، وأين مكانهم في تلك الصفحة.

ورمضان " مستشفى " زماني يجد فيه كل مريض دواءَ دائه؛ يستشفي فيه مرضى البخل بالإحسان، ومرضى البطنة والنعيم بالجوع والعطش، ومرضى الجوع والخصاصة بالشبع والكفاية.

ورمضان جبّار الشهور، في الدهور، مرهوب الصولة والدولة، لا يقبل التساهل ولا التجاهل، ومن غرائب شؤونه أن معظم صائميه من الأغفال، وأن معظم جنده من الأطفال، يستعجلون صومه وهم صغار، ويستقصرون أيامه وهي طوال، فإذا انتهك حرمته منتهك بثّوا حوله الأرصاد، وكانوا له بالمرصاد، ورشقوه ونضحوه، و (بهدلوه) وفضحوه؛ لا ينجو منهم مختفٍ في خان، ولا مختبئ في حان، ولا ماكر يغِشّ، ولا آو إلى عشّ، ولا متستّر بحُشّ، ولا من يغيّر الشكل، لأجل الأكل، ولا من يتنكّر بحجاب الوجه، ولا بسفور الرأس، ولا برطانة اللسان؛ كأنما لكل شيء في خياشيمهم رائحة، حتى الهيئات والكلمات؛ وهم قوم جريحهم جُبار الجرح، وقتيلهم هدر الدم.

سبحان من ضيّق إحصارَه * وصيّر الأطفال أنصارَه

وحرّك الريحيْن بشرى به * رُخاءَه الهيْنَ وإعصارَه

ورمضان - مع ذلك كله - مجلى أوصاف للوُصاف: حرم أهل المجون مما يرجون، وحبس لهم من مطايا اللهو ما يُزجون؛ وأحال - لغمّهم - أيام الدجون، كالليالي الجون؛ فترِحوا لتجلّيه، وفرحوا بتولّيه، ونظموا ونثروا، وقالوا فيه فأكثروا، وأطلّ على الشعراء بالغارة الشعواء فهاموا وجنُّوا، وقالوا فافتنّوا؛ قال إمامهم الحكمي: إن أفضل يوم عنده أول شوال، وقال الغالون منهم والقالون ما هو أشبه بهم. ولو لم يكن لآخرهم " شوقي " إلا: (رمضان ولَّى ... ) لكفته ضلّة، ودخنا في اليقين وعلّة، والرجل جديد، وله في العروبة باع مديد، وفي الإسلام رأي سديد، وفي الدفاع عنه لسان حديد، ونحن نعرفه، فلا نَفْرقه.

أما المعتدلون والمراءون فمنهم القائل:

شهر الصيام مبارك * ما لم يكن في شهر آب

خفت العذاب فصمته * فوقعت في عين العذاب

ومنهم القائل:

يا أخا الحارث بن عمرو بن بكر * أشهورا نصوم أم أعواما

طال هذا الشهر المبارك حتى * قد خشينا بأن يكون لزاما

أما الوصف العبقريّ، والوادي الذي طم على القَريّ؛ فهو قول الحديث الموحى: " الصوم لي وأنا أجزي به "، وحديث الصادق: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "، وحديث الصحيح: " للصائم فرحتان "، وقول الكتاب المكنون: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) [البقرة: 183]) اهـ.

[جريدة " البصائر " (العدد 43، 12 يوليو 1948م)، عن " آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي " (3/ 476 - 478)].

وقال - رحمه الله رحمة واسعة -:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير