تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لمنال العقوبات. وربما يحمل على ذلك في الأكثر زيادة الترف وعوائده، وخروجها عن حد النهاية، حتى تقصر عنها وجوه الكسب ومذاهبه، ولا تفي بمطالبها. فإذا عجز عن الكسب بالمجرى الطبيعي، لم يجد وليجة في نفسه، إلا التمني لوجود المال العظيم دفعة من غير كلفة، ليفي له ذلك بالعوائد التي حصل في أسرها، فيحرص على ابتغاء ذلك ويسعى فيه جهده. ولهذا فأكثر من تراهم يحرصون على ذلك هم المترفون من أهل الدولة، ومن سكان الأمصار الكثيرة الترف المتسعة الأحوال، مثل مصر وما في معناها. فنجد الكثير منهم مغرمين بابتغاء ذلك وتحصيله، ومساءلة الركبان عن شواذه، كما يحرصون على الكيمياء. هكذا يبلغنا عن أهل مصر في مفاوضة من يلقونه من طلبة المغاربة، لعلهم يعثرون منه على دفين أو كنز، ويزيدون على ذلك البحث عن تغوير المياه، لما يرون أن غالب هذه الأموال الدفينة كلها في مجاري النيل، وأنه أعظم ما يستر دفينا أو مختزنا في تلك الآفاق. ويموه عليهم أصحاب تلك الدفاتر المفتعلة في الاعتذار عن الوصول إليها بجرية النيل، تسترا بذلك من الكذب، حتى يحصل على معاشه، فيحرص سامع ذلك منهم على نضوب الماء بالأعمال السحرية لتحصيل مبتغاه من هذه، كلفا بشأن السحر متوارثا في ذلك القطر عن أوليه. فعلومهم السحرية وآثارها باقية بأرضهم في البراري وغيرها. وقصة سحرة فرعون شاهدة باختصاصهم بذلك وقد تناقل أهل المغرب قصيدة ينسبونها إلى حكماء المشرق، تعطى فيها كيفية العمل بالتغوير بصناعة سحرية حسبما تراه فيها وهي هذه:

يا طالبا للسر في التغوير ... إسمع كلام الصدق من خبير

دع عنك ما قد صنفوا في كتبهم ... من قول بهتان ولفظ غرور

واسمع لصدق مقالتي ونصيحتي ... إن كنت ممن لا يرى بالزور

فإذا أردت تغور البئر التي ... حارت لها الأوهام في التدبير

صور كصورتك التي أوقفتها ... والرأس رأس الشبل في التقوير

ويداه ماسكتان للحبل الذي ... في الدلو ينشل من قرار البير

وبصدره هاء كما عاينتها ... عدد الطلاق احذر من التكرير

ويطا على الطاءات غير ملامس ... مشي اللبيب الكيس النحرير

ويكون حول الكل خط دائر ... تربيعه أولى من التكوير

واذبح عليه الطير والطخه به ... واقصده عقب الذبح بالتبخير

بالسندروس وباللبان وميعة ... والقسط والبسه بثوب حرير

من أحمر أو أصفر لا أزرق ... لا أخضر فيه ولا تكدير

ويشده خيطان صوف أبيض ... أو أحمر من خالص التحمير

والطالع الأسد الذي قد بينوا ... ويكون بدء الشهر غير منير

والبدر متصل بسعد عطارد ... في يوم سبت ساعة التدبير

يعني أن تكون الطا آت بين قدميه كأنه يمشي عليها وعندي أن هذه القصيدة من تمويهات المتخرفين، فلهم في ذلك أحوال غريبة واصطلاحات عجيبة، وتنتهي التخرفة والكذب بهم إلى أن يسكنوا المنازل المشهورة والدور المعروفة بمثل هذه، ويحفرون بها الحفر ويضعون فيها المطابق والشواهد التي يكتبونها في صحائف كذبهم، ثم يقصدون ضعفاء العقول بأمثال هذه الصحائف، ويبعثونه على اكتراء ذلك المنزل وسكناه ويوهمونه أن به دفينا من المال لا يعبر عن كثرته، ويطالبونه بالمال لاشتراء العقاقير والبخورات لحل الطلاسم، ويعدونه بظهور الشواهد التي قد أعدوها هنالك بأنفسهم ومن فعلهم، فينبعث لما يراه من ذلك وهو قد خدع ولبس عليه من حيث لا يشعر، وبينهم في ذلك اصطلاح في كلامهم، يلبسون به عليهم، ليخفى عند محاورتهم فيما يتناولونه، من حفر وبخور وذبح حيوان وأمثال ذلك.

وأما الكلام في ذلك على الحقيقة فلا أصل له في علم ولا خببر. واعلم أن الكنوز، وإن كانت توجدة لكنها في حكم النادر على وجه الاتفاق، لا على وجه القصد إليها. وليس ذلك بأمر تعم به البلوى، حتى يدخر الناس غالبا أموالهم تحت الأرض، ويختمون عليها بالطلاسم، لا في القديم ولا في الحديث. والركاز الذي ورد في الحديث وفرضه الفقهاء، وهو دفين الجاهلية، إنما يوجد بالعثور والاتفاق، لا بالقصد والطلب. وأيضا فمن اختزن ماله وختم عليه بالأعمال السحرية فقد بالغ في إخفائه، فكيف ينصب عليه الأدلة والأمارات لمن يبتغيه. ويكتب ذلك في الصحائف، حتى يطلع علي ذخيرته أهل الأمصار والأفاق، هذا يناقض قصد الإخفاء. وأيضا فأفعال العقلاء لا بد وأن تكون لغرض مقصود في الانتفاع. ومن اختزن المال فإنما يختزنه لولده أو قريبه أو من يؤثره. وأما أن يقصد إخفاءه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير