تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالكلية عن كل أحد، وإنما هو للبلا والهلاك، أو لمن لا يعرفه بالكلية ممن سيأتي من الأمم، فهذا ليس من مقاصد العقلاء بوجه.

وأما قولهم: أين أموال الأمم من قبلنا، وما علم فيها من الكثرة والوفور فاعلم أن الأموال من الذهب والفضة والجواهر والأمتعة إنما هي معادن ومكاسب، مثل الحديد والنحاس والرصاص وسائر العقارات والمعادن. والعمران يظهرها بالأعمال الإنسانية ويزيد فيها أو ينقصها. وما يوجد منها بأيدي الناس فهو متناقل متوارث. وربما انتقل من قطر إلى قطر ومن دولة إلى اخرى بحسب أغراضه، والعمران الذي يستدعيه. فإن نقص المال في المغرب وإفريقية، فلم ينقص ببلاد الصقالبة والإفرنج، وإن نقص في مصر والشام، فلم ينقص في الهند والصين. وإنما هي الآلات والمكاسب، والعمران يوفرها أو ينقصها، مع أن المعادن يدركها البلاء كما يدرك سائر الموجودات، ويسرع إلى اللؤلؤ جوهر أعظم مما يسرع إلى غيره. وكذا الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير، ينالها من البلاء والفناء ما يذهب بأعيانها لأقرب وقت.

وأما ما وقع في مصر من أمر المطالب والكنوز، فسببه أن مصر كانت في ملكة القبط منذ آلاف أو يزيد من السنين، وكان موتاهم يدفنون بموجودهم من الذهب والفضة والجواهر واللآلىء، على مذهب من تقدم من أهل الدول. فلما انقضت دولة القبط، وملك الفرس بلادهم نقروا على ذلك في قبورهم وكشفوا عنه، فأخذوا من قبورهم ما لا يوصف: كالأهرام من قبور الملوك وغيرها. وكذا فعل اليونانيون من بعدهم وصارت قبورهم مظنة لذلك لهذا العهد. ويعثر على الدفين فيها في كثير من الأوقات. أما ما يدفنونه من أموالهم أو ما يكرمون به موتاهم في الدفن من أوعية وتوابيت من الذهب والفضة معدة لذلك، فصارت قبور القبط منذ آلاف من السنين مظنة لوجود ذلك فيها. فلذلك عني أهل مصر بالبحث عن المطالب لوجود ذلك فيها، واستخراجها. حتى إنهم حين ضربت المكوس على الأصناف آخر الدولة، ضربت على أهل المطالب. وصارت ضريبة على من يشتغل بذلك من الحمقى والمهوسين، فوجد بذلك المتعاطون من أهل الأطماع الذريعة إلى الكشف عنه والذرع باستخراجه. وما حصلوا إلا على الخيبة في جميع مساعيهم، نعوذ بالله من الخسران، فيحتاج من وقع له شيء من هذا الوسواس، أو ابتلي به، أن يتعوذ بالله من العجز والكسل في طلب معاشه، كما تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وينصرف عن طرق الشيطان ووسواسه، ولا يشغل نفسه بالمحالات والكاذب من الحكايات. " والله يرزق من يشاء بغير حساب ".

(المقدمة:1/ 216ـــــ219)

* ولأبي حيان المفسر في تفسيره البحر المحيط كلاما قريب من كلام ابن خلدون، قال رهمه الله عند قوله تعالى من سورة الشعراء (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم): {وكنوز}: هي الأموال التي خربوها. قال مجاهد: سماها كنوزا لأنه لم ينفق في طاعة الله قط. وقال الضحاك: الكنوز: الأنهار. قال صاحب التحبير: وهذا فيه نظر، لأن العيون تشملهما. وقيل: هي كنوز المقطم ومطالبه. قال ابن عطية: هي باقية إلى اليوم. انتهى.

وأهل مصر في زماننا في غاية الطلب لهذه الكنوز التي زعموا أنها مدفونة في المقطم، فينفقون على حفر هذه المواضع في المقطم الأموال الجزيلة، ويبلغون في العمق إلى أقصى غاية، ولا يظهر لهم إلا التراب أو حجر الكذان الذي المقطم مخلوق منه، وأي مغربي يرد عليهم سألوه عن علم المطالب. فكثير منهم يضع في ذلك أوراقا ليأكلوا أموال المصريين بالباطل، ولا يزال الرجل منهم يذهب ماله في ذلك حتى يفتقر، وهو لا يزداد إلا طلبا لذلك حتى يموت. وقد أقمت بين ظهرانيهم إلى حين كتابة هذه الأسطر، نحوا من خمسة وأربعين عاما، فلم أعلم أن أحدا منهم حصل على شيء غير الفقر؛ وكذلك رأيهم في تغوير الماء. يزعمون أن ثم آبارا، وأنه يكتب أسماء في شقفة، فتلقى في البئر، فيغور الماء وينزل إلى باب في البئر، يدخل منه إلى قاعة مملوءة ذهبا وفضة وجوهرا وياقوتا. فهم دائما يسألون من يرد من المغاربة عمن يحفظ تلك الأسماء التي تكتب في الشقفة، فيأخذ شياطين المغاربة منهم مالا جزيلا، ويستأكلونهم، ولا يحصلون على شيء غير ذهاب أموالهم، ولهم أشياء من نحو هذه الخرافات، يركنون إليها ويقولون بها، وإنما أطلت في هذا على سبيل التحذير لمن يعقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير