تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهمُّ كله به والخطرات كلها بذكره والتَّفكُّر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسُه بالله بدلاً من أنسِهِ بالخلق فيعده بذلك بأنسه به يوم الوحشة في القبور؛ حيث لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه فهذا هو مقصود الاعتكاف الأعظم).

بماذا يشتغل المعتكف؟

قاعدة ذكرها الشيخ عبد العزيز بن باز وأشار إليها ابن القيم رحمهما الله جميلة جدًا تبين لك هل أنت معتكف اعتكافًا صحيحًا أو أن اعتكافك دخله الخلل والنقص، قالوا أن روح الاعتكاف، (هو الاشتغال بالخالق عن المخلوقين).

فالمعتكف يشتغل بالذكر والدعاء والاستغفار والتوبة النصوح وفي قراءة القرآن والتدبر فيه وفي الصلاة والتفكر والتأمل والنظر في طريقه وسيره إلى الله والتفكر من أعظم مقاصد الاعتكاف، ونحن نعيش في منعطف خطير، وكثرةُ الأعمال وكثرةُ الأشغال وكثرةُ السير في الحياة - قد لا تعطي الإنسان فرصة ليعلم: هل هو يسير المسير الصحيح أو لا؟ تأمل الآن في واقع الشباب - بارك الله فيهم وفيكم وأصلحهم الله - حيث يقومون بأعمال لو جلسوا وتفكروا وتدبروا لعلموا خطأ الطريق الذي يسيرون فيه، يأتي الاعتكاف وتتفرغ من أمور الدنيا بل تتفرغ من بعض الأعمال ولو كانت في طاعة الله كالأعمال الدعوية وطلب العلم، لتخلو بنفسك وتخلو بربك وتتأمل وحدك: هل أنت سائر إلى الله كما ينبغي؟ هل طريقك صحيح؟ لو وقف الإنسان مع نفسه وخلا بذاته يتفكر ويتدبر بعيدًا عن مشاكل الحياة وتزاحم أمورها عليه بعيدًا عن قرنائه وأصدقائه بل بعيدًا عن الكلام في الأشخاص والمناهج والقدح في هذا والجرح في ذاك، لو وقف الإنسان وقفة تأمل وتدبر والتجأ إلى ربه ليهديه السبيل الأقوَم، لهداه الله سبحانه إلى الطريق الصحيح، طريق النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الكرام، فالاعتكاف فرصة عظيمة لمن أداه على وجهه ليتدبر ويتفكر ويتأمل ومن ثم يمتليء بشحنة إيمانية عظيمة وزاد لمواصلة الطريق إلى الله لمواصلة حياته ودعوته بعزيمة وإخلاص وقوة، الأزمات الموجودة في الأمة الآن هل لها من خلاص؟ من منا يستطيع أن يصل إلى هذا الطريق؟ التفكير الذي يكون في خلوة الاعتكاف قد يدلك فعلاً على مخرج لهذا الواقع المر الذي تعيشه الأمة {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ: 46] كفار قريش لما لم يؤمنوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لأنهم قالوا: وجدنا آباءنا على أمة؛ فماذا حدث {وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] دعاهم الله تعالى فقال: {إنما أعظكم بواحدة} ما هي هذه الواحدة يا رب؟ {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ: 46] أن تقوموا لله مثنى وفرادى تتفكرون: هل ما عليه آباؤكم صحيح أو غير صحيح؟ فالله - جل وعلا - كما في هذه السورة العظيمة سورة سبأ يدلنا على مخرج من الأزمات، وفي سورة الأعراف {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184] دعاهم الله إلى التفكر، وكذلك نحن الآن لا بد أن نتأكد أننا نسير السير الصحيح، فكل إنسان محاسَب عن عمله أمام الله سبحانه وتعالى، نعم نستفيد من علمائنا نقتدي بهم ونستفيد ممن سبقنا، لكن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كثير من الناس أغلقوا عقولهم عند بعض العلماء، وعلى بعض طلاب العلم، بل سمعت بعضهم يأخذ من بعض صغار طلاب العلم ويترك الأخذ من كبارهم، ليست هناك عصمة لا لكبار طلاب العلم ولا لصغارهم، ولسنا مطالبين بتقديس فرد من الناس أبدًا بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بل لا يجوز ذلك إنما نأخذ الحق ممن ما جاء به، الشيء الذي لا يقبل ولا يليق بالعاقل ولا بالداعية أن يغلق عقله عن كبار العلماء ودعاة الحق ولو أخطؤوا، ويفتح عقله وقلبه لصغار طلاب العلم وصغار الدعاة لا يليق هذا، استفد من هؤلاء صغارًا أو كبارًا خذ ما عندهم من الحق لكن لا تغلق عقلك عن الآخرين، رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لأبي هريرة لما جاء يخبره عن قصته مع الشيطان كان يسأله ما فعل ضيفك البارحة عندما كان يأخذ من التمر الذي كان يحرسه أبو هريرة رضي الله عنه، وآخر مرة قال الشيطان لأبي هريرة: ألا أدلك على كلمة تحرسك فدله على آية الكرسي فجاء يخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ماذا قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – هل قال له: دعك من هذا الشيطان؟ أتأخذ كلام الشيطان، قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((صدقك وهو كذوب))، مع أنه كذوب، وهو إبليس ومع ذلك أصبح حديث أبي هريرة في قصته مع الشيطان من أعظم الأدلة على فضل آية الكرسي وحمايتها للمسلم، سبحان الله كيف يريد بعضهم أن يغلق عقله ويغلق قلبه عن عالم من العلماء، يقول أحدهم: إن فلانًا يقول لا تذهبوا للشيخ فلان ولا للشيخ فلان وقعوا في بعض الأخطاء و الاجتهادات مع أنهم ليسوا مبتدعة ولا أصحاب أهواء، فكيف يحذر منهم؟ كيف نتيح لأحد من الناس كائنًا من كان أن يغلق عقولنا عن باب ويفتحها على أبواب، كيف تسمح، يا أخي، أن تغلق عقلك وقلبك ضد عالم وداعية وإمام من أهل السنة ولو أخطأ، وتفتحه لآخر قد يكون نكرة، بل كيف تغلق الأبواب وتقول اخرجوا من النوافذ، يغلق العقل عن علماء ودعاة أمة ويفتح لطلاب علم صغار، لم يتضلعوا بالعلم ولم تحنكهم التجربة، ولذلك تقع مصائب وكوارث ونحن نعيش هذه الأيام بعض المصائب وبعض الفتن أسأل الله أن ينجينا منها، فالخلوة والاعتكاف يعطيك فرصة للتفكر والتدبر، ستموت وحدك وتقبر وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك وتعبر الصراط وحدك.

مما يجب أن يشتغل به المعتكف المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، والمناجاة والرقي بالمستوى الإيماني، ومحاسبة النفس على تقصيرها، تهيئة النفس للقيام بواجب الدعوة والعلم والجهاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير